Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ما لم يفعله إبليس!

عندما رفض إبليس الانصياع للأمر الرباني بالسجود لآدم؛ محتجًا بدنو جنس الأخير قياسًا إلى جنسه هو..

A A
عندما رفض إبليس الانصياع للأمر الرباني بالسجود لآدم؛ محتجًا بدنو جنس الأخير قياسًا إلى جنسه هو.. (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) الأعراف.. كان يُؤسِّس لحالة سلوكية ظلت منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا، مدخلًا لمعظم الشرور التي عرفتها البشرية عبر تاريخها الطويل.
إبليس الذي استكبر ورفض الانصياع للإرادة الإلهية، فعل ما فعله بدافع النزوع نحو التمييز العنصري، فكان بذلك أول عنصري في التاريخ، واستحق بناءً على ما سبق، الطرد من الجنة واللعنة الأبدية التي أُغلقت معها أبواب النجاة المتمثلة في التوبة، بالنسبة إليه.
المسألة إذن لم تكن مجرد مسألة عصيان أو استكبار عَارِضَين، المسألة بالنسبة لإبليس تجسّدت في الدوافع التي جعلته يُعاند ويُكابر ويُحاول مقاومة الإرادة الإلهية، والدوافع كانت تنحصر في التمييز العنصري والمقارنة بين الفاضل والمفضول على أساس التمييز العنصري، لا على أساس التقوى والعلم والعمل الصالح. وهو الشيء الذي تكرر في سيرة جميع الأنبياء ابتداءً بنوح عليه السلام، وانتهاءً بسيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) الزخرف.
لكن التمييز العنصري لم يبقَ على حاله الذي أسَّس له إبليس عبر موقفه العدائي تجاه آدم عليه السلام، ولكنه تطور وأخذ أشكالًا متعددة، ولم يعد محصورًا في التمييز العرقي وحده، بل أن البشر أضافوا إليه الكثير من الأبعاد، ومنها تصنيف البشر حسب معيار العقائد، ومن ثم التمييز بينهم على هذا الأساس.. (وَقَالَتِ اليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ اليَهُودُ عَلَى شَيءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) البقرة.
المشكلة في التمييز حسب المعايير العقدية، أنه يمنح العنصرية البغيضة ما يتجاوز صفة الشرعية.. إنه يمنحها هالة من القداسة، ويجعلها واحدة من مقتضيات الإيمان وجزءًا بالغ الأهمية من الفرائض الدينية، في رؤية تتجاوز ما تقتضيه الفطرة السليمة والنصوص القرآنية القاطعة في هذا المجال.. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا أن أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ أن اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات.
إبليس المسؤول الأول عن الغواية التي نغّصت حياة البشرية منذ بداية وجودها على الأرض، بل حتى قبل ذلك، لجأ إلى المفاضلة بينه وبين غريمه آدم على أساس التمييز العرقي فقط، لكن قدرة الإنسان على الابتكار حتى فيما يخص أعمال الشر نفسها، تجاوزته، فلجأت إلى التمييز العقائدي الذي لا يكتفي بإقصاء الآخر وحده، ولكنه يصل في حالات التطرف الشديد، حد ادعاء الألوهية نفسها عن طريق الزعم بامتلاك الحقيقة المطلقة التي لا يعرفها إلا الله، ولا يمثلها سوى أولي العزم من الرسل الذين كانوا يتصرفون في نطاق ما يوحى إليهم به!
الإنسان هو المخلوق الذي يمكنه أن يتجاوز كلًا من الملائكة وإبليس، في الخير والشر.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store