أوروبا القارة العتيقة -كما يحلو لليمين الأمريكي تسميتها- (OLD CONTENT) من باب التهكم على نهجها التقليدي في كل شيء - بخلاف نهج الحداثة الذي تسير عليه أمريكا- تمر بأزمات اقتصادية وسياسية متلاحقة من بداية القرن الحادي والعشرين، بدأت حدتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان من المفترض أن يخفف عنها أعباء الاستعداد للحروب، ويفتح أمامها مجال استثمارات جديدة تُنعش الاقتصاد، وتُقلِّل من معدلات البطالة، وتفتح أسواق جديدة لمنتجاتها وطي صفحة الحرب الباردة.
صُنّاع القرار في برلين وباريس ولندن سعوا بقوة لإتمام مشروع الاتحاد والوحدة النقدية، وفتحوا الأبواب لدول البحر الأبيض المتوسط للانضمام الذي شمل اليونان وإسبانيا والبرتغال وعدد آخر من دول أوروبا الشرقية المتعطشين لحياة اقتصادية أفضل بعد الانفكاك من هيمنة الاتحاد السوفيتي، وقد امتد الضغط على الدول العربية المطلة على حوض المتوسط مثل مصر وتونس والجزائر والمغرب وليبيا.. إلا أن تركيا عضو الحلف الأطلسي والأقرب والأقدر على المشاركة في الاتحاد الأوروبي وجدت صدًا صريحًا خوفًا من الإسلام والمسلمين.
يرى البعض أن محاولة جر الدول العربية لإبرام تقارب مُوثّق كانت بإيعاز من إسرائيل وأمريكا، ولكن المصالح التجارية أيضًا ذات جدوى لدول الاتحاد الأوروبي ولخدمة مصالحها الاستراتيجية على المدى الطويل.
ودول جنوب أوروبا المتعثرة اقتصاديًا (اليونان وإسبانيا والبرتغال) تطالب باستمرار الدعم من الدول المقتدرة مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا أو الانسحاب من الاتحاد من الوحدة النقدية. وحكومات الدول المانحة تخشى من الناخب الذي يطالب بالمحافظة على مستوى معيشته، ويرى أن الاقتصادات متدنية الإنتاجية من غير الممكن تحمل أعبائها طويلًا، وعليها أن تخفض إنفاقها وتزيد من إنتاجياتها أو تخرج من الاتحاد. استمرار الاتحاد ألأوروبي كما هو يخدم مصالح أمريكا لعمل توازن بين الآراء المؤيدة للسياسة الأمريكية وبين من يريد فك الارتباط مع سياسة الهيمنة الأمريكية منذ نهاية الحرب الكونية الثانية.
روسيا الغنية بالموارد الطبيعية مثل: الغاز والبترول، تراقب وتُعدُّ العدة لاستعادة مكانتها التي فقدتها بانحلال الاتحاد السوفيتي، والرئيس بوتين ورفاقه في الكرملين مازالوا في دور ترتيب أمورهم من الداخل، ومواقفهم من النظام السوري والعلاقات مع إيران من بين الكروت التي يلعبون بها، وأمريكا تتصرف بحذر حتى لا تتورط في مجابهة كونية غير محسوب عواقبها.
ودول البريكس (الهند، والصين، والبرازيل وجنوب إفريقيا) برزت كمنافس قوي لأوروبا، واستحوذت على حصص كبيرة من الأسواق التي كانت إلى وقت قريب حكرًا على أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان، ولكن العولمة لا زالت تخدم روادها في أمريكا وأوروبا الغربية لأن عملات العالم لا زالت تحتفظ بغطائها النقدي بالدولار الذي يعتمد على الجنيه الاسترليني واليورو كروافد مساندة تحميه من الانهيار والمواد الاستراتيجية، مثل الغاز والبترول، لا زال التداول فيها بالدولار كدعم غير مباشر للعملة الخضراء.
الدول العربية لا زالت -كل واحدة- تغرد خارج السرب، عاجزة عن التصدي لما يُحاك ضدها في واشنطن ولندن وبروكسل - بدون خيار واضح تستند إليه- ومجيء الربيع العربي من بداية عام 2011م بكل وعوده وسلبياته حتى الآن عطل العمل العربي المشترك، وقد يستمر العطل -مع الأسف- لفترة طويلة، والمستفيد الأكبر واشنطن والدول المسيطرة في الاتحاد الأوروبي لضمان تحقيق مصالحهم في المنطقة؛ ودعم إسرائيل، متذرعين بالتطرف وعدم الاستقرار اللذين يهددان أمن المنطقة.
أصحاب القرار في أوروبا يراقبون ما يحصل في الدول العربية من حروب وتدمير، وهدر للثروات، وتصاعد النعرات الطائفية ولسان حالهم: دعوا العرب يتخبطون في شؤونهم، ليستمر اعتمادهم على أمريكا وحلفائها في أوروبا!
الحديث في أوروبا خلف الأبواب الموصدة!
تاريخ النشر: 02 مايو 2013 01:50 KSA
أوروبا القارة العتيقة -كما يحلو لليمين الأمريكي تسميتها- (OLD CONTENT) من باب التهكم على نهجها التقليدي في كل شيء - بخلاف نهج الحداثة الذي تسير عليه أمريكا- تمر بأزمات اقتصادية وسياسية متلاحقة من بداي
A A