Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

خطاب الجماعات الإسلامية : أزمة الهوية الوطنية

المفهوم الملتبس للوطن والهوية الوطنية ، لدى التيارات الدينية في العالم العربي ، هو واحد من الإشكالات التي تجعل من خطاب هذه التيارات والجماعات ، يمثل خطراً بالنسبة لقطاعات واسعة من شعوب المنطقة .

A A
المفهوم الملتبس للوطن والهوية الوطنية ، لدى التيارات الدينية في العالم العربي ، هو واحد من الإشكالات التي تجعل من خطاب هذه التيارات والجماعات ، يمثل خطراً بالنسبة لقطاعات واسعة من شعوب المنطقة .
في مصر الصورة تبدو أكثر خطورة من أي بلد عربي آخر ، فالهوية الوطنية المصرية متجذرة لدى الشعب بشكل يجعل من أية محاولة لإحالتها إلى المرتبة الثانية في سلم الأولويات ، عملا جنونيا لا ينم سوى عن عجز هذه الجماعات على قراءة تاريخ مصر ، وعن فشلها في فهم ليس المزاج المصري العام فقط ، ولكن في فهم اللا وعي الجمعي لهذا الشعب الذي يعود تاريخ هويته الوطنية لسبعة آلاف عام .
مصر هي الدولة الوحيدة في العالم ، التي تمكنت من الحفاظ على حدودها الجغرافية الحالية منذ آلاف السنين ،
وبالتحديد منذ عهد الملك الفرعوني مينا الذي انتصر على قبائل الهكسوس ونجح في توحيد القطرين ، الشمال والجنوب ، أو حسب التعبير المصري الدارج (( وجه قبلي ووجه بحري )) .
الإخوان المسلمون لم يفهموا حتى الآن هذه الحقيقة ..
وحتى بعد أن تركوا مكانهم في المعارضة ووصلوا إلى الحكم ، فإنهم ما زالوا غير قادرين على التعرف على السمات الرئيسة للشخصية القومية التي يتميز بها الشعب الذي يحكمونه .
مفهوم الوطن بالنسبة للإخوان المسلمين ، يكاد يكون غير موجود ، فخطاب هذه الجماعة حاول تهميش مفهوم الهوية الوطنية لصالح مفهوم الهوية الإسلامية الذي يسعى لاستبدال الدولة الوطنية بدولة الخلافة حتى ولو أدى ذلك إلى التضحية بالوطن والعودة إلى حكم الأجنبي في إسطنبول .
الإخوان المسلمون لم يقوموا بمراجعة خطابهم الذي تأسس في ثلاثينيات القرن الماضي ،
ولم يخضعوه لمعايير النقد رغم كل التطورات التي حدثت منذ ذلك التاريخ .
وعليه فإن الجماعة السرية التي تحولت بفضل الانتفاضة الشعبية إلى حزب حاكم ، لم تنجح حتى الآن في تقديم مفهوم واضح وخال من الالتباس للهوية الوطنية التي تتشكل في مصر من عنصرين رئيسين : المسلمون والمسيحيون.
الشعب المصري لا يمكن أن يساوم في هذه القضية أبدا .
الشعب المصري صاحب الحضارة الزراعية والذي يعيش على أرض منبسطة نعمت بما لا يقارن بغيرها من دول العالم ، بالاستقرار الاجتماعي رغم تعاقب الغزاة والفاتحين منذ قديم الأزل ، ليس مستعداً للتضحية بهويته الوطنية ، وليست لديه القابلية للمساومة عليها . صحيح أن المصريين بحكم حقائق التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا ، لا يستطيعون التخلي عن الأدوار القيادية المنوطة بهم في محيطهم الاستراتيجي الكبير الذي يصل غرباً حد المغرب حيث خاضت مصر معركة تحرير الجزائر جنباً إلى جنب مع جبهة التحرير الجزائرية .. هذا بدون شك صحيح وهو أحد الأسباب المهمة في احتشاد المعارضة المصرية بكافة أطيافها ضد الرئيس السادات الذي عزل مصر عن محيطها ، لكن ذلك لا يعني أبداً أن المصريين قابلون للتخلي عن هويتهم الوطنية تحت أية ذريعة أو مبرر أو لافتة .
هؤلاء لا يفهمون الشعب الذي يحكمونه .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store