Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

لحظة الاختيار

في ليبيا تحاصر بعض الميليشيات المسلحة، مبنى وزارة الخارجية منذ حوالى أسبوعين.

A A
في ليبيا تحاصر بعض الميليشيات المسلحة، مبنى وزارة الخارجية منذ حوالى أسبوعين. وفي ليبيا أيضًا تندلع بين الحين والآخر، اشتباكات مسلحة بين أعضاء الميليشيات التي أصبحت تسيطر فعليًا على الأرض، بعد مقتل العقيد معمر القذافي وسقوط نظامه، وما تبع ذلك من انهيار لمؤسسات الدولة.
في ليبيا ازدهرت تجارة السلاح إلى الحد الذي جعل من هذا البلد الذي كان حتى يوم قريب محكومًا بالحديد والنار، أهم مصدر لتسليح الجماعات المتطرفة في المنطقة العربية وفي إفريقيا على حد سواء. ليس ذلك فقط، بل ان ليبيا أصبحت بفضل الانتفاضة الشعبية التي دعمت من النيتو عسكريًا ومن جميع دول الغرب وفي مقدمتها أمريكا سياسيًا، أكبر مورد للإرهابيين الذين يتم تدريبهم هناك؟ ثم إرسالهم إلى جبهات القتال التي يتواجد بها أنصار تنظيم القاعدة من الجماعات التكفيرية، كما هو الحال مع جبهة النصرة التي تتواجد منذ مدة ليست بالقصيرة، في الشمال السوري.
لن أتحدث عن باقي دول ما يُسمَّى بالربيع العربي - مصر وتونس واليمن وسوريا - الذي لا أرى حتى الآن سوى أنه جحيم يُنذر باحتراق المنطقة كلها، ويُهدِّد بتحويل دولها إلى كيانات طائفية هشة ومتصارعة. الجواب كما يقولون في المثل العامي (يبان من عنوانه).. والعنوان لا يُبشِّر بالخير، ولا يحمل إلا نذر الشؤم التي تحملها الريح القادمة من الغرب المهتم بالدفاع عن (حقوق الإنسان) وبنشر (الديمقراطية) في المنطقة، حبًّا في سواد عيون أبنائها.
ما يحدث الآن هو صراع بين عصرين يحمل كل منهما مفهومًا لا يصلح للتعايش مع المفهوم الآخر: مفهوم الدولة، ومفهوم الدويلة.. مفهوم الهوية الكبرى، ومفهوم الهويات الصغرى.. مفهوم المؤسسات، ومفهوم الفراغ والفوضى.. مفهوم الأمن الوطني، ومفهوم القتل على الهوية.. مفهوم الاستقرار، ومفهوم الاضطرابات والفتن والحروب الأهلية.. مفهوم الوطن، ومفهوم الهوية الدينية للجماعات التكفيرية، حيث يعتبر الوطن منافسًا للدين، وحيث ينظر للمختلف باعتباره هدفًا مشروعًا للقتل، أو التهجير في أحسن الأحوال.
الآن حانت الساعة المصيرية التي يتعيّن على الشعوب العربية أن تختار فيها مصيرها.
الثورات -وما صاحبها من شعارات برَّاقة صبَّت في البداية في خانة الدولة المدنية وحقوق الإنسان وسيادة القانون-، لم تكن إلا فخًّا نُصِبَ للشعوب العربية المحرومة من الحرية والكرامة ورغد العيش.. فهل ستفهم الشعوب حقيقة اللعبة الغربية التي تهدف إلى تقسيم ما هو مُقسَّم وتجزئة ما هو مُجزَّأ، أم أنها ستستمر في الاستجابة لعواطفها وفي تصديق كل ما يعرضه عليها الإعلام الغربي من أكاذيب، لم تصب حتى الآن سوى في مصلحة الصهيوأمريكية، والجماعات التكفيرية؟.
إنها لحظة الاختيار التاريخية.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store