لا يخفى على الجميع بأن البوابة الأولى لولوج أي مهنة؛ يرتكز على ما يحمله الشخص من مؤهل علمي، يمنحه أحقية في ممارسة هذا العمل، وهذا الحق المشروع بدأت تباشيره السلبية في الكثير من المجالات، وما الأرقام المهولة للشهادات المزوّرة التي تطالعنا بها وسائل الإعلام بين الفينة والأخرى بناءً على ما تكتشفه اللجان المُشكلة لفحص المؤهلات إلاّ شاهد إثبات على هذا الداء المُستشري في جسد كثير من مؤسساتنا، وتتعاظم المُشكلة عندما ترتبط هذه المؤهلات -المضروبة- بجهاتٍ ذات علاقة مباشرة بكافة شرائح المواطنين، مع أهمية بقية الجهات.
سأقتصر في مقالي هذا على ثلاثة مجالات -أجزم- بأنها تُمثِّل ركائز أساسية في حياة الناس، وهي التربية والتعليم والصحة والهندسة، والمؤلم أن أكثر الشهادات المزورة تم اكتشافها فيها؛ فالتربية والتعليم عانت ولا تزال من آفة الشهادات الوهمية التي سوَّقت لها جهات ربحية ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالحقل التربوي، بقدر ما كانت مكاتب تستهدف استدرار الأموال من أشخاص أعمت عقولهم قبل أعينهم البهرجة التي يُسببها حرف -الدال- قبل اسم كل منهم، ولعل الإحصائيات في مجال التربية والتعليم لمثل هذا النوع من الشهادات تشهد عليه مواقع التواصل الاجتماعي، وبإمكان من يرغب الاستزادة في ذلك زيارة حساب «الشهادات الوهمية»، هاشتاق «هلكوني» في تويتر؛ ليرى العجب العُجاب لأسماء تسنَّمت مواقع وظيفية عالية في مجالها، وهي تحمل شهادات غير علمية، ولو كان مُجتمعنا يحترم العلم وأهله لتمت ملاحقتهم قانونيّاً، وتحقيرهم مُجتمعيّاً، واستبعادهم وظيفيّاً، أمّا الصحة فلم تسلم حياة الأرواح من المُتاجرين بها وإزهاقها دون أي اعتبار شرعي أو أخلاقي؛ حيث نشر موقع «العربية نت» الإلكتروني في 4/7/1434هـ خبرًا يُشير إلى أن هيئة التخصصات الطبية السعودية سجلت أكبر قاعدة للقائمة السوداء بأسماء حملة الشهادات الصحية المزورة؛ إذ تجاوز عددهم (2443) مزوّرًا صحيّاً، يتركز معظمهم في القطاع الخاص، وكشف التقرير -أيضًا- عن جنسيات هؤلاء المزوّرين؛ إذ بلغ المزوّرين من شرق آسيا 80%، و1% من السعودية، بينما بلغت النسبة 19% من جنسيات عربية أخرى، وفي المجال الهندسي لم يكن الأمر بأفضل حال من سابقَيه؛ ففي خبر نشرته صحيفة المدينة في عددها رقم 18292 الصادر في تاريخ 13/7/1434هـ أكد الأمين العام للهيئة السعودية للمهندسين الكشف عن (1000) شهادة مزوّرة لمهندسين يعملون في المملكة خلال عام واحد فقط، بمعدل ثلاث حالات تزوير يوميًّا.
هذه الإحصائيات الكارثية في هذه المجالات الحيوية تعكس مؤشرًا خطيرًا على أن ثمة قصورًا في الآليَّات التي بناء عليها يتم اختيارهم لممارسة هذه المهن؛ الأمر الذي دفع مجلس الشورى إلى إدراج دراسة هذه المُعضلة ضمن أجندته، واتخذ حيالها توصية تنص على: «إنشاء مركزًا يُسمّى المركز الوطني لمعادلة وتوثيق الشهادات العُليا ويكون ذا شخصية اعتبارية يتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية ويرتبط بوزير التعليم العالي، ويتولّى التأكد من صحة وموثوقية الشهادات العُليا التي تم الحصول عليها خارج المملكة، ومعادلتها في جميع التخصصات العُليا للحاصلين عليها بما يتفق مع المعايير العالمية والأكاديمية والتنظيمية التي تعتمدها إدارة المركز»، وإن كانت توصية المجلس تحل ما يتعلق بالجانب السعودي؛ إلاّ أن حاملي الشهادات من غير السعوديين سيكونون خارج إطار عمل هذا المركز؛ ممّا يعني أن نزيف هذه الشهادات سيستمر دون توافر حل جذري يحمي عقول وأجساد ومشروعات الوطن من التهلكة.
الشهادات المزوّرة
تاريخ النشر: 26 مايو 2013 02:01 KSA
لا يخفى على الجميع بأن البوابة الأولى لولوج أي مهنة؛ يرتكز على ما يحمله الشخص من مؤهل علمي، يمنحه أحقية في ممارسة هذا العمل، وهذا الحق المشروع بدأت تباشيره السلبية في الكثير من المجالات، وما الأرقام ا
A A