Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

إيران والمتأسلمون

تحدثت في مقال الأمس عن المخزون الإمبراطوري الذي تمتلكه الذاكرة الجمعية الفارسية، وقلت إن ذلك المخزون ألهم الأمة الفارسية وما زال، مشروعها الإقليمي الذي يهدف إلى تحويل الدولة الإيرانية إلى قوة إقليمية

A A
تحدثت في مقال الأمس عن المخزون الإمبراطوري الذي تمتلكه الذاكرة الجمعية الفارسية، وقلت إن ذلك المخزون ألهم الأمة الفارسية وما زال، مشروعها الإقليمي الذي يهدف إلى تحويل الدولة الإيرانية إلى قوة إقليمية عظمى تمتلك أغلب مفاتيح التأثير والسيطرة فيمن حولها.
بالأمس تحدثت أيضًا عن براعة الإيرانيين في استغلال حالات الفراغ، وعن براعتهم في ملء تلك الفراغات، وقلت ان نجاحهم في تأسيس المقاومة الإسلامية في لبنان، وفي تكوين حزب الله الذي بات يحتكر حمل السلاح بعد أن احتكر فعل المقاومة، يجسد هذه القدرة التي تعتمد على بعد النظر وعمق الرؤيا، بغض النظر عن اتفاق العرب أو اختلافهم معها.
لكن يظل السؤال المهم: هل استطاعت إيران أن تمتلك مناطق النفوذ التي تمتلكها في الوطن العربي، بسبب ذكائها وقدراتها الذاتية فقط؟ أم أن هناك أسبابا أخرى ساعدتهم في ذلك؟
بغض النظر عن حالة الفراغ السياسي والاستراتيجي التي يعاني منها الوطن العربي، والتي حدثت نتيجة لسقوط المشروع القومي على يد الرئيس المصري الأسبق أنور السادات واتفاقية الاستسلام التي عقدها مع العدو الصهيوني، فقد ساهم الخطاب الطائفي الذي تبنته بعض حركات الإسلام السياسي في الوطن العربي، في ظهور إيران بمظهر الدولة المدافعة عن حقوق الشيعة العرب، والقادرة على حمايتهم من عنصرية الخطاب السياسي المتأسلم. وما قيام نظام نوري المالكي في العراق، وموالاته العلنية لإيران، إلا إحدى نتائج ذلك الخطاب المسؤول عن استجلاب الشباب من كل مكان إلى العراق، وتحويلهم إلى إرهابيين لا يفعلون أكثر من ممارسة جرائم القتل على الهوية، عبر تفجير المناطق والتجمعات الشيعية، وعبر استهداف مقدساتهم المنتشرة في العراق.
هؤلاء الإرهابيون الذين لا يمتلكون مشروعا، ولا يجيدون التعامل مع لعبة السياسة وفق أدواتها، هم الذين مهدوا الساحة العراقية بغالبيتها الشيعية، لتقبل الخطاب السياسي الموالي لإيران، والذي لا يحمل مشروعا وطنيا أو تنمويا، بقدر ما يعكس حالة من الولاء المطلق لإيران، ولمشروعها في المنطقة.
إن الخطاب الطائفي الفقير الذي لا يمل من ترديد المصطلحات العنصرية البائسة لم يسمح لإيران باستغلال حالة الفراغ السياسي والاستراتيجي في المنطقة وحسب، ولكنه ساعدها في تعميق حالة الفراغ تلك، حيث أصبح الانتماء للطائفة مقدما على الانتماء للوطن، وأصبحت فكرة الانتماء للمذهب، بديلة لفكرة الانتماء للدولة. وهكذا سمح المتأسلمون للإيرانيين بسبب ضيق نظرهم، فضلا عن عنصريتهم المقيتة، باختراق العرب وبتوسعة رقعة الشرخ، مما أدى إلى تعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة بشكل ربما لم يكن يحلم به الإيرانيون أنفسهم.
إنني هنا لست بصدد تقييم المشروع الإيراني أو المشروع المتأسلم من الناحية الفكرية والأخلاقية، كل ما حاولت فعله في هذا المقال، هو استقراء الأسباب التي أدت إلى ما نعايشه من معطيات كرّست لضعف العرب الشديد أمام إيران وأمام غيرها.
لن ينقذ العرب سوى مشروع قومي قائم على احترام مبدأ المواطنة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store