ما إن سلّم الإمام وانتهت شرائع الصلاة ، خرج المصلون زرافاتٍ من بابٍ واحد، الصورة عشوائية في الخروج ، الأحذية مقذوفة هنا وهناك، ركب كلُ سيارته ، واحدة فوق رصيف المشاة، الأخرى كانت تسد كراج بيت خاص، وواحدة تسد الشارع تماماً، والجميع سعيد بالاجتهاد بالعمل والبعض يتمتم بأذكار الفراغ من الصلاة، ثم ينطلق الجميع للخروج من نفس الشارع ، الأولوية للجميع الذين سرعان ماينطلقون بسرعة جنونية بين الطرقات للحاق بالسحور وتبدو السلوكيات في الميادين عجيبة ، وكأننا مجتمع دين بلا متدينين!
رباه.. ماذا حدث ؟ من هؤلاء الناس في الداخل؟ ومن هؤلاء في الخارج؟ لماذا يزداد التدين.. وتتراجع الأخلاق ؟.
الكل يعلم أننا جميعاً نذهب لصلاة الجمعة عن بكرة أبينا ، وأكثر من سبعين بالمائة يذهبون للمسجد مرة واحدة يومياً، ونسبة أخرى تبقى بعد الصلاة لسماع الدروس ، أبناؤنا يدرسون خمس مواد على الأقل طيلة حياتهم، ويبدؤون الإذاعة الصباحية بآيٍ من الذكر الحكيم.
العلماء يطلون علينا من جميع الفضائيات ، وأحياناً نصطحبهم معنا للحج، نسألهم في كل شاردة .. صغيرةً كانت أم كبيرة، نفس الأسئلة كل عام : قطرة العين هل تفطر؟ هل تجوز العباءة الفلانية ؟ هاتفي الجوال يحمل المصحف.. فهل أدخل به لبيت الخلاء !؟
أجواء رمضان تتم في جوٍ من الإعلان والصخب، كأن الناس تريد أن تثبت لنفسها أنها في منتهى الصلاح، الكل يسأل عن المسجد الذي تصلي فيه ، ولامناص إلا أن تقول أنك فعلاً صليت هنا أو هناك .. أما أن تذكر صراحةً أنك لم تصل بالمسجد لارتباطك بعملك أو عذر آخر.. فستحرقك نظرةُُ قصيرة مع بعض الصمت ، فتصبح العلاقة بين العبد وربه أفقية بدلاً من أن تكون رأسية .
المطارات تصاب بشلل وقت الإفطار في رمضان ، والشوارع تصبح حلبة سباق تراجيدي يتناسب عكسياً مع اقتراب موعد الأذان، الشجار على أشده لشراء الفول.
غريب هذا السلوك؟ تضاربُ ُ عجيب، أو تناقض، عزلُُ للفرائض والسنن عن ديدن الحياة والسلوك..
الجميع يهب تاركاً العمل قبل صلاة الظهر بساعة تاركاً جمهوراً من المراجعين يتوسلون إليه ، وسرعان مايتهمك الموظف بتلك الجملة الحمراء مع بعض من فرصعة العينين : ما أصلي؟؟! فسرعان ماتعود أدراجك قبل أن تتهم في عقيدتك وهذا دارج.
ولا يقولن أغلبنا لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله، حتى فهمها زملاؤنا الخواجات على أنها وسيلة تسويف.
الكثيرون منا يعقدون نكاحهم في بيت الله الحرام، على آيات القرآن « وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً»
ثم لايلبث البعض الكثير إلا أن يظلم زوجته وأبناءه وقد يلقي بأمهم في الشارع ويذرها كالمعلقة دون حقوق في نسيانٍ تام للفضل بينهم.
رجل أعمال يصر على ٣ تمرات أو٥.. أو ٧.. وعماله في البناء يركبون( دون تكييف في لهيب أيلول ) حافلة متهالكة هي مخلفات مدرسة من ولاية «داكوتا» لم يتسلموا رواتب الشهور الست.
إنها ظاهرة التدين البديل ياعزيزي ، أو التدين المريح.
التدين أصبح عند الكثيرين يبدأ وينتهي بالعبادات، متناسين إعمار الأرض والخلق الحسن وأخلاقيات التعامل، وهو فهم قاصر ومعيب ، والله في غنىً عنا ، وإنما فرض علينا الصلاة لتنهانا عن الفحشاء والمنكر .. والبغي.
ورُبّ معصية أورثت صاحبها ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً.
شطر التدين
تاريخ النشر: 14 يوليو 2013 03:39 KSA
ما إن سلّم الإمام وانتهت شرائع الصلاة ، خرج المصلون زرافاتٍ من بابٍ واحد، الصورة عشوائية في الخروج ، الأحذية مقذوفة هنا وهناك، ركب كلُ سيارته ، واحدة فوق رصيف المشاة، الأخرى كانت تسد كراج بيت خاص، ووا
A A