Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المناهج الدراسية وضرورة التكامل المعرفي

المناهج الدراسية في الدول المتقدمة تقنيًّا وصناعيًّا تشمل كل العلوم بصفة عامة، حيث تؤسس للمبادئ العلمية الأساسية بطرق ووسائل مبسطة -بدون التعمق الدقيق في مكونات حقول المعرفة- من أجل تأسيس معرفي عام يس

A A
المناهج الدراسية في الدول المتقدمة تقنيًّا وصناعيًّا تشمل كل العلوم بصفة عامة، حيث تؤسس للمبادئ العلمية الأساسية بطرق ووسائل مبسطة -بدون التعمق الدقيق في مكونات حقول المعرفة- من أجل تأسيس معرفي عام يسهل على الطلاب التعرف على المواد وهضمها مثل: الرياضيات، والجغرافيا، والتاريخ، والعلوم، والديانات، وبعد الانتقال إلى المرحلة الثانوية تبدأ المناهج التوجه لشعب محددة مثل: الرياضيات، والعلوم التطبيقية، والأحياء والقانون، وشعبة الآداب والإدارة والاقتصاد.
وفي المرحلة الثانوية يحدد الطلاب توجهاتهم: هندسة - طب - قانون واقتصاد - وإدارة - وكل حقل من هذه الحقول يوجد به شعب متعددة يمكن للطالب والطالبة الاختيار من بينها حسب ميوله ورؤيته لمستقبله الذي ينوي التخصص والعمل به.
والمناهج الجديدة قلّصت الفوارق بين التخصصات حتى يكون لدى الخريج معرفة عامة.. ومعرفة دقيقة ومتعمقة بالتخصص الذي يختاره.
وعلى سبيل المثال المهندس يحتاج الإلمام بالإدارة والاقتصاد ومبادئي القانون.. والطبيب أيضًا يحتاج لشيء من ذلك ليستطيع التصرف في ميدان عمله على أسس متينة. وليس المطلوب أن يكون المهندس والطبيب اقتصاديًّا محترفًا.. ولا قانونيًّا متمرسًا.. ولكن الهدف أن يمتلك قاعدة معرفية عامة تدعم التخصص الذي يختاره، كما أنها من ضرورات الحياة في التعامل داخل المجتمع بصفة عامة، لكي يعرف الإنسان ما له وما عليه من ضوابط ومخالفات الأنظمة والارتباطات التعاقدية وحقوق الآخر عليه وحقوقه على الآخر.
المعرفة التقنية بعلوم الحاسب الآلي أصبحت رديف للغة، بل أصبحت تشمل كل اللغات، ولا تعليم اليوم بدونها. والرياضة البدنية برامج شاملة بشتى أنواعها أصبحت جزءًا أساسًا من العملية التعليمية، وينبغي أن تكون كذلك في مدارسنا لامتصاص نشاط الطلاب، وتقوية أجسامهم وعقولهم، وتربيتهم على التعاون والعمل الجماعي بحرفية وانضباط وتسامح.
تعليمنا العام ينشد المواكبة، ولكننا -مع الأسف- نسير ببطء رغم توفر الإمكانيات، وحرص الملك عبدالله -حفظه الله- على عمل كل ما يمكن لدعم النهضة التعليمية التي لم تتوقف منذ بداية ملحمة التنمية في وطننا، والتوسع في مرافق التعليم العالي، وإرسال أفواج البعثات إلى الخارج في أهم التخصصات، وعشرات الألوف من الجنسين المنظمين إلى الجامعات المحلية خير شاهد على ديناميكية الجدية في دفع عجلة التعليم إلى الإمام، وما أقوله لا يخفى على أحد، ولا مجال للتزلف والمحاباة، ولكنه الواقع شكلًا ومضمونًا. وهل نحن راضون عن مستوى مخرجات التعليم محليًّا، بالطبع الإجابة ليس كل الرضا، لأننا مجتمع حيوي ينظر على الدوام إلى الأمام، ويتطلع للأحسن، وكلما تحقق إنجاز بدا يناشد إنجازات أخرى أعلى مستوى وأصعب منالًا، وهذا ما نريده ونسعى إليه من أجل مستقبل أفضل بإذن الله تعالى.
وفي تصوري أننا بحاجة ماسّة لإدخال بعض المواد على مناهج المرحلة الثانوية مثل القانون والإدارة والاقتصاد لتأسيس قاعدة معرفية أوسع في ذهن الطالب والطالبة في سن مبكر قبل دخول المرحلة الجامعية لارتباطها المباشر بمتطلبات الحياة ولتهيئة الجيل لخوض غمار الحياة العملية، وهم على بينة بالحقوق والواجبات عندما يزج بهم في ميدان العمل.
كما أن منهجية المنافسة الشريفة والضوابط التنظيمية التي ينبغي توفرها في بيئة العمل الهدف منها خدمة المصلحة العامة التي هي قاعدة تحقيق المصالح الفردية فإن صلحت صلح نهج الفرد، وإن ساءت عم سقمها كل شرائح المجتمع.
لقد اعتمدنا كثيرًا على النصوص الدينية لتحصين الأجيال من الزلل، ولكن الظاهر أننا لم نُوفَّق في برمجة تلك النصوص بشكل عملي يُردع الزلل ويُقوِّم سلوك الخريج عندما يجتاز الامتحانات ويزج به في سوق العمل الذي يتطلب الإخلاص والأمانة والانضباط والتفاني والاستقامة في سلوكياته العامة من أجل كسب لقمة العيش الحلال، وربما يكون الطرح السطحي لتلك النصوص هو محدث الخلل، وقلة التكامل المعرفي المطلوب لمواكبة احتياجات العصر والمستقبل الذي يعد بأكثر تعقيدًا لشؤون الحياة.
الحديث هنا موجه للجميع -وللآباء والأمهات بصفة خاصة- لأن متطلبات العصر تستوجب ذلك، والمتخصصين في حقل التعليم يدركون ذلك جيدًا، ولكن فتور العلاقة والتعاون بين البيت والمدرسة أثَّر على الطلاب، وانعكس على تدني مستويات مخرجات التعليم، ويتطلب الوضع تصحيح تلك العلاقة إذا أردنا تحقيق أهداف التكامل المعرفي لأبنائنا وبناتنا.. والله من وراء القصد.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store