Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

“ياشيخ الدنيا عيد” !!

يبدو أن العاملين في الحقل التجاري يُفلّسفون الكيفية التي سيُعيُّدون بها الناس على حسب المصلحة التي يسعون إلى تحقيقها ؛ فالمُتتبع لوتيرة التعاملات السوقية يلاحظ أنه كلما اقترب يوم العيد من الوصول كلما

A A
يبدو أن العاملين في الحقل التجاري يُفلّسفون الكيفية التي سيُعيُّدون بها الناس على حسب المصلحة التي يسعون إلى تحقيقها ؛ فالمُتتبع لوتيرة التعاملات السوقية يلاحظ أنه كلما اقترب يوم العيد من الوصول كلما زادت شراهة فُحش الأسعار باتجاه الأعلى دون وجود رقيب ذاتي أو خارجي يردعهم ، أو يكبح جماح شهوانيتهم المادية التي وصلت لمرحلة تجاوزت كل القيم الأخلاقية والأعراف المهنية ؛ وللأسف ساعد على تنامي هذه الظاهرة في مُجتمعنا عاملان لا يقل أحدهما عن الآخر ؛ حيث يتمثل الأول في غياب الرقابة الحكومية عن تداعيات السوق السلبية ، بل إن صح التعبير فقل عن "فوضى السوق" ؛ فحماية المُستهلك تغطُّ في سبات عميق إما لعدم قدرتها على المتابعة الدقيقة لمُجريات عملها الميداني ، أو لحاجة في نفس يعقوب لم يقضها إلى الآن ولم نكتشف كُنهها نحن كي نجد مخرجاً لهكذا غياب ، بينما يكمن العامل الثاني في سلبية المُستهلك – ذاته – حيث نجد أنه يعي تماماً المبالغة في السلع التي يبتاعها إلا أنه يتعامل مع الموقف وكأنه أمر عادي جداً سوَّغ له المقولة الجوفاء الشائعة "يا شيخ الدنيا عيد" .
هذه الظاهرة غير الحضارية وقبلها غير المقبولة شرعاً - لأنها تدخل في سياق الاستغلال - كبدَّت الأسر الكثير من الخسائر جراء إجبارهم على الشراء بالسعر المُحدد من قبل التاجر أو صاحب المهنة ، وإلا فيه « ألف « غيرهم سيقومون بهذه المهمة وهم راضون مرضيون ؛ الأمر الذي يعني أن الناس ليس أمامهم سوى خيار الشراء الممزوج بالصمت ، وحتماً سيكون هذا على حساب مُتطلبات حياتية أخرى ؛ خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن خط سير المناسبات خلال السنوات الماضية أصبح يُمثل معاناة للكثير من الأسر ؛ إذ تتوالى ثلاث مناسبات تبدأ بشهر رمضان الكريم مروراً بعيد الفطر المُبارك وانتهاءً بموعد بدء العام الدراسي ، وكل مناسبة لها احتياجاتها الضرورية ، ناهيكم عن الصيف ومناسباته الاجتماعية ذات البعد التفاخري الممقوت ؛ مما سبب إرهاقاً غير عادي لميزانية الأسر التي وقعت بين مطرقة الوقت الضاغط وسندان السوق الجائر ، والنتيجة مزيداً من الضغوط النفسية والمادية على كاهل رب الأسرة ، وتعاظم الربح للتاجر المُمتلئ في الأصل .
أرى ومن واقع معرفة بتركيبة مُجتمعنا أن الجانب التوعوي والتثقيفي قد لا يكون ذا أثر فاعل في حل هذه المعادلة ؛ لأن النفس الإنسانية إذا اعتادت الربح الوفير – بغض النظر عن كونه حلالاً أم حراماً - فمن شبه المُستحيل إعادتها إلى جادة الطريق المُستقيم بنشرة تُوزع أو محاضرة تُلقى ، أو برنامج يُقدَّم ، وإقناعها بأن ما تقوم به يتنافى مع مبادئ الدين القويم وأخلاقيات السوق ، لذا فالحل الناجع – من وجهة نظري الشخصية – هي المتابعة الدقيقة والمحاسبة الفورية لكل متجاوز ، فلو قامت وزارة التجارة ممثلة في الإدارة العامة لحماية المُستهلك – بدورها الفاعل في القبض على كل متلاعب بالأسعار سواءً أكان صغيراً أم كبيراً في المواسم والتشهير به في حينه دون تسويف مُبرره دراسة القضية ومعرفة الدوافع والكشف عن المُسببات ؛ لأن هذا التسويف سيؤدي إلى قتل القضية في مهدها ، لانتهت هذه الاشكالية ولما استمرأ المُتسبب في ممارسة هواياته دون هوادة ، فهو على يقين تام بأن أدراج المكاتب كفيلة بموت كل القضايا التي تدخلها ، وأنها لن ترى النور ثانية إلا عندما يُحكم عليها بأنها تحت بند "تالف" .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store