سُنَّة الاعتكاف في المسجد النبوي الشريف

المسجد النبوي الشريف مثوى النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث يوجد قبره الشريف، وروضته الشريفة، ومنبره الشريف، تضيق جنباته بأعداد كبيرة من المعتمرين والزوار والقادمين إليه من مشارق الأرض ومغاربها للصلاة فيه والتشرف بالسلام على سيد الأولين والآخرين حبيب رب العالمين سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وفي شهر رمضان المبارك يكون للمسجد شأن آخر خلاف بقية الشهور حيث ينشط فيه العبّاد والزهّاد والركع السجود، ويزداد فيه التالون لكتاب الله العزيز والباحثون عن الأجر والمثوبة في هذا الشهر الفضيل، الذي تتضاعف فيه الحسنات وتصفد فيه الشياطين، ويزدهر فيه المسجد برواده من القادمين شوقا إليه للاستمتاع بروحانية الإيمان، وطمأنينة النفس، وراحة البال، وترك هموم الدنيا ومشاغلها وذلك بمضاعفة الطاعات وترك المهاترات بحثا عن الأجور العظيمة التي وعد الله بها عباده المؤمنين في هذا الشهر الفضيل.
ورغم كل الجهود المبذولة من قبل الدولة في توفير سبل الراحة والأمن والأمان، وتهيئة المسجد للوافدين إليه من شتى بقاع الأرض لأداء الفرائض بكل سهولة ويسر إلا أن هناك بعض الملحوظات التي تزعج القاصدين للحرم الشريف، خاصة في العشر الأواخر من رمضان المبارك:
سنة الاعتكاف يكتنفها الكثير من العشوائية وعدم الانتظام، ولذلك تحتاج إلى كثير من التنظيم وحسن الإدارة، وتوعية المعتكفين بالأهداف المرجوة من الاعتكاف، والمعنى الأساس للاعتكاف كما مارسه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، والسلف الصالح من بعدهم. فالاعتكاف عمل دؤوب واجتهاد في العبادة وترك أمور الدنيا كلها جانبا (إلا لضرورة) وليس كما هو حاصل اليوم، حيث يمارس المعتكفون النوم في كل أرجاء المسجد بدون ترك أي فراغ من بعد صلاة الفجر مباشرة حتى صلاة العصر – يتخللها صلاة الظهر فقط - وهناك البعض منهم ينام حتى بعد أداء صلاة العصر.
إذن ما الهدف من هذا الاعتكاف الذي مرّ فيه جلّ وقت المعتكف في النوم العميق؟ وإذا لم يكن نوما، تكون جلسة يتجاذب فيها أطراف الحديث بين المعتكفين في أمور دنيوية لا طائل منها مع الضحكات التي تشوش على بقية المعتكفين والراغبين في أداء العبادات في الحرم الشريف.
ومن الأشياء اللافتة للنظر وضع فرش المعتكفين البالية والأحذية الرثة (أكرمكم الله) على فتحات أجهزة التكيف التي ينطلق منها الهواء تجاه المصلين مع ما يرافقها من روائح كريهة تزعج المؤدين للفرائض في داخل المسجد، كما أن عشوائية النوم في المسجد أضرت كثيرا بالراغبين في أداء بعض الصلوات النوافل مثل صلاة الضحى وسنة دخول المسجد وغيرها حيث لا يوجد مكان شاغر لأداء هذه المناسك لسوء تنظيم نوم المعتكفين، و أحيانا تستخدم صناديق جمع الأحذية في عمل غرف محاطة لتوفير مكان خاص للمعتكف وأصحابه المرافقين من المعتكفين. ومن الملحوظات أيضا، عدم التزام المعتكفين بأوقات الأذان حيث إن كثيرا منهم ينهض وقت الأذان وإذا نهض اعتدل في جلسته وصلى بدون أن يكلف نفسه للذهاب لتجديد الوضوء.
حقيقة الاعتكاف في المسجد النبوي يحتاج إلى وقفة مراجعة لإبراز أهداف ومقاصد الاعتكاف وآدابه، فهؤلاء المعتكفون جزاهم الله خيرا قدموا لعمل صالح وتركوا المال والأهل والولد للبحث عن الأجر والمثوبة من الله خلال الشهر الفضيل، وفي تلك الأيام المباركات، للإخلاص في العبادة وأدائها على أكمل وجه، وما دام صدقت النيات ، وحسن التوجه إلى الله، إذن يجب أن يلتزموا بالضوابط الشرعية لسنة الاعتكاف، وأن يؤدوها بطريقة تليق بشرف المكان والزمان، وعظمة المعبود سبحانه وتعالى، وتأسيا برسوله الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
نداء نوجهه للرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين في أن تعقد دورات تثقيفية مع بداية الشهر المبارك للراغبين في أداء سنة الاعتكاف، أو من خلال خطب الجمعة في المساجد للتحدث عن سنة الاعتكاف، وعظيم أجرها، وآدابها وكيفية أدائها حتى تؤدى على الوجه الأكمل مرضاة لله ورسوله، وحتى تؤتي ثمارها المرجوة. وفق الله العاملين المخلصين لما يحب ويرضى.

.