Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

شبح حرب العراق يهيمن على قرار التدخل في سوريا!

لندن وواشنطن تصارعان شبح الماضي في سبيل الإقدام على عملية عسكرية في سوريا، ردًّا على جُرم استخدام سلاح كيميائي مُحرَّم ضد المدنيين.

A A
لندن وواشنطن تصارعان شبح الماضي في سبيل الإقدام على عملية عسكرية في سوريا، ردًّا على جُرم استخدام سلاح كيميائي مُحرَّم ضد المدنيين.
في لندن دعا رئيس الوزراء كاميرون لاجتماع خاص لمجلس العموم لمناقشة مسودة قرار تَقدَّم به يُخوِّل الحكومة البريطانية التدخل في سوريا.
ومن شاهد الحوار في البرلمان البريطاني يُدرك معنى الديمقراطية الحقة في مهدها العتيد، وكيف يختلف النواب بأسلوب حضاري منظم، يأخذ كُلٌّ دوره في إبداء رأيه بكل حرية واحترام.
والمشاهد يُدرك أيضًا مدى الانقسام في صفوف الأحزاب البريطانية، والسجال الدائر حول المبادئ والشرعية والقانون الدولي، والمصالح والالتزامات الدولية، وفي أذهانهم ما جرى في العراق، وأهمية الوقوف بجانب الحليف الأكبر في واشنطن، الذي هب لنجدتهم في الحرب الأولى والثانية مرتين.. في القرن الماضي.
ومن شاهد جلسة البرلمان الإنجليزي على التلفاز، لابد أنه تعلَّم منها الشيء الكثير عن الديمقراطية وحصافة الرأي، وبلاغة المنطق، ودقة الطرح، ومنهج الحوار وسرعة البديهة، وقدرة المحاورين على الرد على الآراء المغايرة بكل أدبٍ واحترام للرأي الآخر.
وقد كان أمام أعضاء البرلمان مسودتان، الأولى من رئيس الوزراء، والثانية من رئيس حزب المعارضة السيد مالي باند تشتمل على بعض التعديلات على نص الوثيقة المقدمة من رئيس الوزراء.
بعد نقاش جاد انتهت الجلسة التي استمرت ساعات طويلة بالتصويت على التعديل الذي تقدّمت به المعارضة ولم يفز بالأغلبية. وتلا ذلك التصويت على مسودة الاقتراح الذي تقدم به رئيس الحكومة السيد كاميرون ودافع عنه باقتدار وشجاعة وثقة، إلاّ أنه لم يحظَ بالأغلبية، حيث صوّت له 272، وضده 285، وانتهت الجلسة بعد حوار تاريخي صريح ومتلفز برفض التدخل عسكريًّا في سوريا.
وختم رئيس الوزراء الجلسة بالالتزام بقرار الأغلبية في البرلمان الذي يعكس رغبة الشعب البريطاني، وأن الحكومة تحترم رغبة الشعب، ولن تشارك عسكريًّا في سوريا.
من واشنطن حيث كان أوباما وأركان فريقه وأعضاء الكونجرس ومجلس الشيوخ يترقبون نتائج الجلسة الخاصة للبرلمان البريطاني، صدرت إشارات من مُتحدِّث البيت الأبيض بأن الرئيس لم يتخذ أي قرار بعد.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما رجل قانون مُحنّك أتى إلى السلطة بوعود بإنهاء حالة الحرب وسحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، وكذلك الحد من تدخل الولايات المتحدة الأمريكية عسكريًّا في مناطق أخرى من العالم، ما لم يوجد ضرورة قصوى وضوابط قانونية تجيز ذلك، مثل موافقة مجلس الأمن والهيئات التشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركة عدد من دول العالم المؤثرة في القرارات الدولية، وعلى وجه الخصوص حلفاء أمريكا التقليديين في القارة الأوروبية، مثل بريطانيا وفرنسا.
روسيا والصين أعلنا موقفهما من البداية بعدم الموافقة على أي تدخل عسكري في سوريا، وأنهما سيصوّتان ضد أي قرار بذلك الخصوص في مجلس الأمن، ولا بد أن نتائج اجتماع مجلس العموم البريطاني أتت بردًا وسلامًا على موسكو وبكين، لما يترتب على ذلك من مخاطر تهدد مصالح الأخيرتين في سوريا.
من أبرز المحاذير التي أثارت الشكوك في الأوساط الدولية، ادعاء الحكومة السورية ومؤيديها احتمال أن تكون أحد فصائل المعارضة السورية هي من استخدمت السلاح الكيميائي، وليس قوات النظام السوري. ولذلك ناشد أمين عام الأمم المتحدة الجميع بانتظار تقرير فريق الأمم المتحدة المبعوث إلى سوريا للبحث والتحقق وتقصي الحيثيات، سعيًا للحصول على أدلة قاطعة باستخدام السلاح الكيميائي من المواقع التي حصل فيها الحادث، ومن الجهات التي بإمكانها الحصول عليه، ومن أين أتت به؟ قبل اتخاذ أي قرار من مجلس الأمن أو أي جهة أخرى.
خلال مداولات مجلس العموم البريطاني أثير ما حصل من أخطاء ومغالطات استخباراتية -تسببت في غزو العراق- عدّة مرات، وتأكيد الحرص على عدم تكرار تلك الأخطاء التي ارتكبتها امريكا وبريطانيا في جر العالم لتحالف عسكري أدى إلى تفتيت العراق.. وقتل الآلاف من الأبرياء وتدمير البنية التحتية.. وأخيرًا تسليم العراق لإيران. كل ذلك بسبب معلومات مُضلّلة واستنتاجات خاطئة، والشعب البريطاني لا يريد تكرار ذلك. كما أن ما تفعله بريطانيا يُؤثِّر على صُنَّاع القرار في أمريكا وكندا وأستراليا والاتحاد الاوروبي بصفة خاصة.
المشاهد العربي معني مباشرة بما يدور على الساحة الدولية من مداولات حول سوريا، واسترجاع لشواهد الماضي، كما أن هناك دروسًا ثمينة في المنهج المتبع في البرلمان البريطاني يا ليت المشاهد العربي يستفيد منها، ويُدرك أنه ليس كل ما لحق بالعرب مصدره نظرية المؤامرة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store