يقول أهل مكة على من ادعى معرفة الشيء واستعجل في نقله دون الإلمام به أنه كالذي «لقط الكبابة من فم القدر»، في رواية «الكبيبة»، وفي ذلك إشارة إلى أنه أخذ ما في وجه القدر ولم يعلم ما تحتها، أو هكذا أظن.
أفرزت مدارس «التلقين» في بلادنا التي تفتقر إلى المتاحف والمكتبات مخرجات هشّة بشكل عام إلا من تدارك نفسه بنفسه، أو عُني أهله به في مرحلة مبكرة، وفي مجتمع عانى لأكثر من عقدين من فكر القطب الواحد.. كان لزامًا التدرج في التغيير والانفتاح ومواكبتهما بالتوعية والتوجيه.
وسوف يقوم أناس متعطشون للثقافة، خرجوا من تلكم البيئة بقراءة هذا وذاك، والتعمق فجأة في أمور فلسفية لا ناقة لهم فيها ولا جمل دون خلفية دينية صلبة، فيقعوا في المحظور ويندمون حيث لا ينفع الندم!
قال لي أحدهم: «قرأت كتاب رأس المال لـ(ماركس) من الجلدة للجلدة»!، في حين أن لويس عوض وهو من هو قال أنه قرأه من خلال كتب عدة ولم يلم به إلمامًا تامًا.
كما أن ليس كل من قرأ حصن المسلم يعتبر عالمًا، فليس كل من قرأ لنيتشه أصبح فيلسوفًا، نتج عن هذا أن هناك من أحرج نفسه، أو وقع في المحظور.
وصنف آخر من «لاقطي الكباب» من ظنت أن المثقفة يجب أولاً أن تتخلى عن حيائها وتصافح هذا وتمازح ذاك ملقيةً بقيمها عرض الحائط مهتمةً بالمظهر ومتناسيةً الجوهر ولقد صفق العالم للسيدة توكل كرمان واحترم مظهرها وجوهرها.
من قال ذات مرة: «تحاول الأمم المغلوبة أن تحاكي الأمم الغالبة فيما أبدعته وأجادت فيه، فتعجز في الغالب، فتعود لتحاكيها في أمور هزيلة وسخيفة لا تكلفها جهدًا.. وقد سافر شباب من الشرق إلى الغرب فانبهروا بالحضارة المادية واندهشوا من ضخامة الاختراعات والاكتشافات والتطور الدنيوي المذهل، ولكنهم لعجزهم عن صعود هذا السلم المكلف المرهق، أرادوا تقليد الغرب في مشاهد باهتة ومظاهر سخيفة ليظهروا أمام الآخرين بمظهر المتمدن الحضاري، فعادوا إلينا بأدمغة جامدة وضمائر ميتة وعليهم صورة الغرب في الظاهر؛ فمنهم من تقلّد سلسلة في عنقه وفي يديه، مع قصة لشعر رأسه، وجينز محزوق يرتديه، وفانيلة عليها صور نجوم الفن والكرة في الغرب، ومعه كلب يقوده يركب هو وقرينه الكلب سيارة مكشوفة (الخنفساء) ويعبر بها شوارعنا؛ ليرينا تمدنه وتحضره، ويا للخيبة والخسارة إن كان هذا هو التمدن والتحضر! إذا كان غايته كلبًا يصاحبه وينام ويأكل معه.
الذين "لقطوا الكبابة من فم القدر"
تاريخ النشر: 15 سبتمبر 2013 01:34 KSA