العُلَا.. آثار ونخيل ورمال

عقدت جمعية التاريخ والآثار لدول مجلس التعاون الخليجي ندوة علمية في المدينة المنورة بعنوان "آثار المدينة المنورة وحضارتها وتراثها عبر العصور" في 17/1/1435هـ، 20/11/2013م، بمناسبة اختيار المدينة عاصمة للثقافة الإسلامية. وكان من أعمال الندوة زيارة العلا.
بلاد الحِجر هذا هو اسم العلا في القرآن الكريم، وتشتهر الآن بمدائن صالح، وهو اسم عرف في العصور المتأخرة، ولا صلة له بنبي الله صالح -عليه السلام- الذي بُعث فيها، وقومه أصحاب الحِجر، وأطلقت الهيئة العامة للسياحة والآثار مدائن صالح على المنطقة الأثرية التي تبعد عن مدينة العلا 22 كيلاً، وسجلها أحد مواقع التراث الثقافي العالمي وهي جديرة بذلك، كما أن جهد الهيئة في ترميمها والعناية بها جهد مشكور في الحفاظ على هذه الآثار النفيسة التي ستكون يومًا موردًا اقتصاديًّا لبلادنا أبقى من البترول.
من المطار في العلا اتجهنا إلى محطة سكة حديد الحجاز، ورحم الله السلطان عبدالحميد الذي سيّر القطار من اسطنبول إلى المدينة، ولا رحم أولئك الذين دمروه، وهو قد قام بتمويل من جميع المسلمين، وتساءلت لو كان موجودًا: هل ستأخذ الرحلة من المدينة إلى العلا 4 ساعات، مع طريق كثير التحويلات؟ لولا أن الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار سعى في تأمين طائرة خاصة، فكانت مدة الرحلة 35 دقيقة ذهابًا، ومثلها إيابًا. ألا رحم الله السلطان عبدالحميد، وأعاد الله القطار لسابق عهده، محطة القطار جميلة وتثير الشجون، وللهيئة الشكر على ترميمها والعناية بها، وتحويلها إلى متحف سكة حديد الحجاز، التاريخ الحاضر الغائب.
العلا جميلة بآثارها، وجبالها، ومزارعها، وكرم أهلها. وعرفنا بالزيارة حسناء من حسناوات بلادنا لا يمكن أن توصف في سطور، ففي الآثار عرفت عمري التاريخي، وعرفت كيف تجلي الآثار الحقيقة وتحطم الخرافة، وقفت على حضارات سادت وبقيت آثارها شاهدًاعليها من قبل الإسلام ومن بعده، والآثار قيمة لا يعرفها إلاّ مَن يقرأ التاريخ قراءة دروس وعبر.
وادي القرى الذي تقع فيه العلا وقامت فيه حضارة إثر حضارة هو وادي الحُبّ العذري نسبة لقبيلة بني عُذْرة الذين عرفوا به، فهو وادي الجبال التي أبدع الله صنعها في تشكيلات جمالية، ووادي الرمال النظيفة، ووادي النخيل الباسقة التي تكون غابات خضراء ومن قلعة القائد موسى بن نصير أطللت على العلا فرأيت الجمال، جمال المدينة والجبال والنخيل، وتصورت شِعر جميل بثينة، وقد كُتب أحد أبياته في قمة قلعة موسى بن نصير، حين حضرته الوفاة في مصر وتذكر وادي القرى فأعطى رجلاً راحلته وما عليها، وأوصاه أن يرتدي حلته وينشد عند حي بثينة.
ولقد أجرّ الذيل في وادي القُرى
نشوان بين مزارع ونخيل
في موطن الحب العذري العفيف تقع مدينة العلا القديمة التي هجرها أهلها إلى مساكن حديثة، يحتضنها جبل، وتحتضن قلعة موسى بن نصير، وقد أحسنت هيئة الآثار التي أبقت على المدينة، وبدأت في ترميمها والحفاظ عليها، وحافظت على المزولة (الساعة) التي كان أهل العلا يحددون بها أوقات الصلوات، ومنازل الأهلّة، وقلعة موسى بن نصير حافظ عليها أهل العلا وتحافظ عليها هيئة السياحة والآثار الآن، ولا يتسع المقام لوصفها.
جبال العلا لوحات فنية، وآثارها دروس وعبر واقتصاد، ونخيلها جمال وغذاء، وتاريخها عمُر يحسب بالقرون، وحبها العذري لا مثيل له على مدى التاريخ كحب جميل لبثينة، إنها تجمع التاريخ والآثار والأدب والزراعة، وحبل الوصل بين عصور التاريخ، جميلة العلا لا تكفيها سطور، وتحتاج الانطباعات عنها إلى أكثر من مقال، حسناء زانتها الآثار والجبال والرمال والنخيل والحب العذري.

IBN-JAMMAL@HOTMAIL.COM
الفاكس 0112389934