لقدْ أصبحتْ أدواتُ التَّواصلِ بتقنياتِهَا العاليةِ أداةً من أدواتِ الشَّحنِ في وقتٍ من أشدِّ الأوقاتِ التي نمرُّ بهَا، بدعاوَى الحريَّةِ والإصلاحِ، وما شاكلهمَا من مفرداتٍ يصحُّ أنْ تطلقَ في أيِّ وقتٍ وزمانٍ، بدلاً أنْ تكونَ أداةً من أدواتِ التَّأليفِ، وجمعِ الكلمةِ، فمِن المؤسفِ حقّاً أنْ يجدَ البعضُ فيهَا من المتردِّيةِ، والنَّطيحةِ مساحةً حاضرةً من (الغوايةِ)، وهِي تحاولُ أنْ تعصفَ برشدِ المؤلفةِِ من النّاس؛ سعيًا دعائمِ هذَا الوطنِ، وتهددُ كيانَهُ، والنَّخْرِ في ممتلكاتِهِ.
وهي في الأساسِ إسقاطاتٌ تبدُو في ظاهرِهَا لغةَ الإصلاحِ والغيرةِ؛ ولكنَّها متخفيةٌ مستترةٌ بأقنعةِ الخبثِ، وما يتبعُهُ من تأليبٍ للرَّأي، وصرفِ كلِّ حسنةٍ يقدِّمهَا هذا الوطنُ، ما قدْ ينتجُ عن ذلكَ من عواقبِ الاندفاعِ، وشرِّهِ المستطيرِ الذي يهلكُ الحرثَ، ويبيدُ النّسلَ!!
إنّ للوطنِ حقًّا مُطاعًا، وإنّ له روحًا وانتماءً، وله صورةً متّسقةً تنتظمُ فيهَا الملامحُ والمشاعرُ والأنسابُ، وتَأتلفُ فيها الرّؤوسُُ مع الأطرافِ كلٍّ في مكانِهِ العتيدِ الذي لا يعدُوه إلى غيرِهِ.
إنَّ صاحبَ العقلِ المحبَّ لوطنهِ هُو الذي يستقرُّ في ذهنِهِ صورةُ الوطنِ على نحوٍ مبينٍ لا عوجَ فيهِ ولا التواءَ.
وإنَّ اضطرابَ البصائرِ، وفسادَ الدَّواخلِ مدعاةٌ إلى مَن يعرضُ عليكَ الوطنَ (بخبثٍ) مشوَّهًا مشوَّشًا؛ لأنَّهَا لا ترَى من الصُّورةِ المشرقةِ إلاَّ ما يُرضِي ذلكَ الاضطرابَ، وذانكَ الفسادَ حتَّى حملتْ جَهْلاً مطبقًا بروحِ الانتماءِ، وصحَّةِ الولاءِ، وقداسةِ التُّرابِ.
إنَّ في هذَا الوطنِ الكبيرِ كِتابٌ حيٌّ يُتْلى، ودرسٌ من الدُّروسِ يُلْقى لا يعرفُهُ أهلُهُ حقُّ المعرفةِ؛ لأنَّ العمَى إذَا أصابَ العيونَ أغلقَ عليهَا مفاتيحِ العقولِ، وصرفَ عنهَا لغةَ الاحتكامِ إليهِ، والتَّبصرِ بهداه.
إنَّ إنسانَ هذَا الوطنِ أحوجُ ما يكونُ إلى التَّنقيبِ في أرجائهِ شبرًا شبرًا، بعيدًا عن أيِّ مؤثِّراتٍ أو إسقاطاتٍ تَبْعثُ على اليأسِ، أو ترسلُ الإحباطَ وما يلتفُّ في حِراكِهِ من أيادٍ مُغْرضةٍ يكتنفُهَا العبثُ وتسيُّرهَا الفوضَى حينَ يبثهُا المتطفِّلونَ، ويجني (خبثَهَا) لا قدّر اللهُ الكبيرُ والصَّغيرُ.
علينَا الإقرارُ بأنَّ هناكَ أخطاءً بالجملةِ، وعلينَا الاعترافُ بحزمةٍ من سيولِ الفسادِ، وعلينَا -أيضًا- التّأكيدُ بأنَّ هناكَ جيلاً شابًّا قادمًا لا ينازعُهُ في مستقبلِهِ إلاّ معاندٌ، أو مكابرٌ، أو صاحبُ هوَى.
كلُّ ذلكَ حقٌّ وصدقٌ يقرُّ بهِ المسؤولُ الكبيرُ قبلَ الجاهلِ والمغرورِ، وذلكَ الإقرارُ والاعترافُ مدعاةٌ إلى تدافعِ حركةِ الإصلاحِ التِي تبنَّاهَا خادمُ الحرمَينِ الشريفَينِ -حفظهُ اللهُ وعافاهُ- فهُو يدفعُ بها دفعًا؛ سعيًا نحوض بناءِ وطنٍ قوامُهُ الاستقرارُ، وميزانُهُ العدلُ.
إنَّ الكيانَ الوطنيَّ الذِي نستظلُّ بهِ قلّمَا يبقَى متماسكَ اللّبناتِِ مع حِدةِ الاحتكاكِ بصنوفِ من مروجيّ (الفتنةِ) ودُعاةِ (الفوضَى) بدعاوَى الحريةِ والإصلاح ففي أحضانِهَا تُولدُ آلافُ الرَّذائل، وتَخْتَمرُ في حوضِهَا مجموعةٌ من الجرائمِ ولاتَ ساعةَ مندمٍ!
فإذا تركنَا الوطنَ الذي نحبُّه لعواملِ الفوضَى والفتنةِ ومَن يدعُو إليهَا لتنالَ منهُ فهِي آتيةٌ عليهِ، وعندئذٍ تنفرطُ عقودُه كما تنفرطُ حبَّاتُ العقدِ إذَا انقطعَ مأمنهُ، حتّى يصبحَ في يدِ العابثينَ فُرُطًا؛ وحاشاهُ من ذلكَ كلِّه وفيهِ المخلصُ والمحبُّ والمصلحُ.
إنَّ الوطنَ ينبغِي أنْ يُفهمَ علَى أنَّه كالنَّفسِ البشريَّّةِ لا غنَى فيهَا عن عضوٍ أو خليَّّةٍ إذا تقطَّعت أواصرُهَا ولم يعدْ يربطهَا نظامٌ ينسِّقُ شؤونهَا، ويرْكِّزُ قواعدهَا حتَّى تصبحَ مشاعرُهَا وأفكارُهَا وعواطفُهَا كالحبَّاتِ المنفرطةِ السَّائبةِ لا خيرَ فيهَا ولا حركَة.
يقولُ شيخُ الإسلامِ ابن تيميةٍ: "الفوضَى في ساعةٍ يحدثُ فيهَا مَا لا يحدثُ في استبدادِ سنةٍ".
خذُوهَا من ابنِ تيميةِ
تاريخ النشر: 20 ديسمبر 2013 00:16 KSA
لقدْ أصبحتْ أدواتُ التَّواصلِ بتقنياتِهَا العاليةِ أداةً من أدواتِ الشَّحنِ في وقتٍ من أشدِّ الأوقاتِ التي نمرُّ بهَا، بدعاوَى الحريَّةِ والإصلاحِ، وما شاكلهمَا من مفرداتٍ يصحُّ أنْ تطلقَ في أيِّ و
A A