Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

هل تكون الثالثة ثابتة أو فاشلة ؟

لن يتوقف الغرب عن مسعاه لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط السياسية والجغرافية ..

A A
لن يتوقف الغرب عن مسعاه لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط السياسية والجغرافية .. إذ أنه يعتقد أن التقسيم الذي تم بعد الحرب العالمية الثانية تحت مسمى ( سايكس – بيكو ) خلق عيوباً وشوائبَ ، أدت إلى تقسيم الأرض بشكل غير سليم حيث أصبحت مزارع أو أراضي عائلة أو قبيلة واحدة مقسمة بين دولتين أو أكثر ( مثل بعض المزارع اللبنانية) ، وشجعت على قيام أنظمة يتم تداول السلطة داخلها عبر انقلابات العسكر ، أو اغتيال الزعيم أو مجزرة لكامل القيادة ( حدثت في اليمن الجنوبي تحت حكم الحزب الإشتراكي ) تخلفه قيادة دموية أخرى .. بل أن أهم نقطة من وجهة نظر أميركية أن التقسيم الغربي للمنطقة بعد الحرب العالمية الثانية تم باتفاق ثنائي بريطاني – فرنسي ولم تشارك فيه أميركا .. لذا فإن المشاركة ، أو بالأصح القيادة ، الأميركية الآن في إعادة تقسيم الشرق الأوسط ستكون ، من وجهة نظر أميركية ،الحل الأمثل للخلل الموجود في السياسة والجغرافيا بالمنطقة .
وقد سبق لأمريكا وأن طلبت من بريطانيا وفرنسا الانسحاب من مستعمراتهما ومحمياتهما ومناطق تواجدهما في الشرق الأوسط ، وذلك في الخمسينات من القرن الماضي ، مقابل دعم أمريكي للاقتصادين الفرنسي والبريطاني . واستجابت لندن لذلك الطلب في عهد رئيس الوزراء هارولد ويلسون الذي كانت بلاده تعاني وضعاً اقتصادياً سيئاً ، وانسحب البريطانيون من الشرق الأوسط تحت مظلة برنامج أسموه « الانسحاب من شرق السويس « ، ولم يفعل الفرنسيون نفس الشيء ولم يتعاونوا مع الأمريكيين في أهدافهم الجديدة بالشرق الأوسط .
وسعت واشنطن حينها إلى تشجيع الجيوش ، كما كانت تفعل تلك الأيام في دول أمريكا اللاتينية ، على الانقلاب على الأنظمة القائمة في عدد من دول المنطقة ، اعتقاداً منها حينها أن العسكر يستطيعون تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه معهم والمحافظة على المصالح الاقتصادية الأمريكية بأقل قدر من المعارضة الشعبية التي يقمعها عادة العسكر .
إلا أنه يبدو أن الثقافة السياسية داخل أمريكا تغيرت بحيث أصبح الأمريكان يرون العسكرعبئاً عليهم التخلص منه ، وبدأوا تجربتهم كالعادة في بلدان بأمريكا اللاتينية ، وتطلبت التجربة الجديدة السعي لنقل النظام السياسي الأمريكي إلى أمريكا اللاتينية حيث نجحت ، وإن بشكل نسبي ، في بعض البلاد التي طبق فيها ولم تنجح في أخرى ، إلا أنه من الواضح أن واشنطن راضية عن نتائج تجربتها في الديمقراطية بأمريكا اللاتينية وهي في عجلة من أمرها لنقلها إلى منطقة الشرق الأوسط .
ومن المسلم به أن سعي أي نظام أجنبي التدخل في الشئون الداخلية لدولة أخرى إنما يستهدف خدمة مصالح الدولة الأجنبية على المدى القصير أو البعيد ، ونشرت مجلة ( الإيكونوميست) البريطانية في عدد لها الشهر الماضي ، ديسمبر ، مقالاً عن تناقض السياسة الغربية في مجال حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية . وأشارت إلى زيارة ديفيد كاميرون ، رئيس الوزراء البريطاني ، لسريلانكا خلال انعقاد قمة دول ( الكومنولث) حيث شن حملة على الحكومة السريلانكية مطالباً التحقيق في جرائم ارتكبتها قواتها ضد التاميل في شرق البلاد ، ومنادياً بالالتزام بحقوق الإنسان . وأشارت إلى أنه كان يفعل ذلك وعينه على أصوات الناخبين التاميل في بريطانيا على أمل الفوز بها في الانتخابات القادمة . إلا أنه ما إن وصل إلى بكين حتى توقف عن أي حديث عن حقوق الإنسان الصيني . وذلك حرصاً منه على مصالح بلاده الإقتصادية ،إذ كانت الصين قد أوقفت تعاملاتها الاقتصادية مع الشركات البريطانية بعد أن التقى كاميرون بزعيم التيبت ، الدلاي لاما ، في لندن العام قبل الماضي ولكنه عندما أدلى بتصريح قال فيه إن بلاده لا تؤيد انفصال التيبت عن الصين ، وأنه لن يقابل الدلاي لاما بعد الآن ، أعلنت الصين عـن ترحيبها بزيارته لها .
الرغبة الغربية ، في تغيير خارطة الشرق الأوسط السياسية والجغرافية نابعة من اعتقادها أن مصالحها على المدى البعيد يمكن خدمـــتها بشكل أفضل تحت ظل ( شرق أوسط معدل ) ، ولكن .. إذا كانت محاولتان في إعادة (تركيب ) الشرق الأوسط نجحتا في السابق ، الأولى بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة ، والثانية في إحلال الأنظمة العسكرية خلال الخمسينات والستينات الميلادية من القرن الماضي محل بعض الأنظمة التي كانت قائمة حينها ، هل يمكن للمحاولة الحالية ، وهي الأكثر جرأة والأخطر عواقب على الحكام والمحكومين ، أن تواصل مسيرتها ، أم أن المنطقة ستكتشف سبيلاً لتجنب مخاطرها وإعادة بناء الشرق الأوسط من الداخل بتعاون تام بين قادته وشعوبه ؟.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store