Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

التجربة التركية

عندما تولى رجب طيب أردوغان الحكم ، كرئيس للوزراء ، عام 2002 كانت تركيا تعاني فوضى سياسية واضطراباً اقتصادياً ، إذ لم يكن بإمكان أي حزب سياسي كسب أغلبية أن يتولى السلطة بموجبها منفرداً ، وكانت البلاد ت

A A
عندما تولى رجب طيب أردوغان الحكم ، كرئيس للوزراء ، عام 2002 كانت تركيا تعاني فوضى سياسية واضطراباً اقتصادياً ، إذ لم يكن بإمكان أي حزب سياسي كسب أغلبية أن يتولى السلطة بموجبها منفرداً ، وكانت البلاد تحكم عبر ائتلافات حزبية هزيلة تعجز عن تقديم أي حلول اقتصادية لوضع شديد السوء سقطت خلاله الليرة التركية إلى مستويات متدنية جداً . وكانت القوتان المنظمتان الوحيدتان في البلاد ، حينها ، هما الجيش من ناحية والحركات الإسلامية من ناحية أخرى وخاصة حزب الحرية والعدالة . الذي أدار مدينة أسطنبول بقيادة رجب طيب أردوغان بنجاح كبير .
حكم أردوغان البلاد بشكل جيد مستعيناً بخبرته في إدارة أسطنبول ، وبعدد كبير من الكفاءات التي توفرت داخل حزبه . ونجح بذلك في جذب عشرات المليارات من الاستثمارات الأجنبية ، واندفعت عجلة التنمية في تركيا لتحقق واحدة من أعلى المعدلات في العالم ، وحققت نمواً سنوياً في الاقتصاد أدى إلى مضاعفته بحوالي ثلاثة أضعاف مما كان عليه عندما تولى أردوغان الحكم . واعتبرت التجربة الاقتصادية التركية نموذجاً لاقتصاد البلدان النامية .
هذا النجاح الذي حققه حزب أردوغان تم التعاون فيه مع حركة إسلامية أخرى هي حركة فتح الله غولن ، وهو داعية تعرض لمضايقات من الجيش التركي فلجأ إلى أمريكا ، عام 1999 ، واستقر في بنسلفانيا ، ويدير منها إمبراطورية ضخمة من الوسائل الإعلامية والمؤسسات المالية ، بما فيها البنوك ، وآلاف المدارس ليس في تركيا فحسب بل وعدد كبير من دول العالم .. ووضع غولن ثقله خلف حزب الحرية والعدالة وقدم دعماً ضخماً لحملات أردوغان السياسية . وكشريك غير رسمي في الحكم أتيحت لخريجي مدارسه وأعضائه الفرصة لتولي مناصب هامة في القضاء والشرطة ودوائر حكومية أخرى ، ولم يكن حزب الحرية والعدالة يشعر بالقلق من حركة غولن على أساس أنها حركة دعوية لا أطماع سياسية لها ، وتعاون الاثنان في حملة تصفية حسابات خاصة ضد قيادات القوات المسلحة التركية الحالية والسابقة ، وقدموا قيادات كبيرة ، بما فيها المتقاعدة ، للمحاكم وسجنوها .
النجاح الذي حققه أردوغان حوله إلى أسطورة بالنسبة لأتباعه ، وانعكس ذلك على شخصيته القوية وجعله يستخدم أسلوباً سلطوياً متعالياً في الحكم ، كما أثار لديه شكوكاً حول رفاق الأمس في حركة غولن ، وأخذت المشاحنات بين أعضاء الحركة والحزب تتفاعل تحت السطح في تنافس على السلطة ولم يخفِ أردوغان شكوكه بل وسعى خلال آخر زيارة له لواشنطن إلى مقابلة فتح الله غولن وقيل إن الأخير رفض اللقاء به .
وعندما انفجرت فضائح الفساد في الحكومة خلال شهر ديسمبر الماضي كانت ردة فعل أردوغان قوية وأمر بنقل وعزل قضاة ومدعين عامين ورجال شرطة ، ونقل في أسبوع واحد حوالي أربعمائة رجل شرطة من مواقعهم إلى مواقع أخرى عندما استجابوا لطلبات الادعاء للتحقيق في قضايا فساد ، وتتواصل الحرب العلنية بين رجال القانون وأردوغان الذي قدم للبرلمان قانوناً يستهدف الحد من حرية الادعاء العام والشرطة في التحقيق مع السياسيين إلا بعد أخذ موافقة وزير الداخلية بالرغم من أن أربعة من وزرائه استقالوا نتيجة للتحقيق الحالي .
الإجراءات الانتقامية التي يتخذها أردوغان ضد من يحققون في قضايا الفساد وتسليطه أجهزة الضرائب للتحقيق ومداهمة مكاتب المؤسسات المالية والتجارية التي لا تواليه يسيء إلى تركيا ونظامها السياسي ، حتى وإن كانت هناك مؤامرات ، إذ لايجوز أن يرمي بالقانون ورجاله جانباً عندما يشعر السياسي بأن الإجراءات المتخذة لا تناسبه .. وبالفعل أدى الوضع الحالي إلى توقف الاستثمارات الخارجية وتجميد رجال الأعمال الأتراك نشاطهم الإستثماري في بلدهم .
فهل وصلت التجربة الديمقراطية لحزب محسوب على الإسلام السياسي إلى مداها ؟ أم أن حزب الحرية والعدالة ومعه تركيا ، سيتعافى منها ؟
التهم التي وجهت لبعض أطراف الحكومة التركية والعناصر الحزبية الموالية لها تتعلق بترسية مشاريع ضخمة بدون إجراء مناقصة واستلام ودفع الرشاوى، وهي تهم بالإمكان دحضها أو تأكيدها عبر المحاكم ، إلا أن الإسراع بإجراءات سلطوية من قبل أردوغان تؤدي إلى دفنها دون معرفة الحقيقة ، وفيما إذا كان من تآمروا يحملون أدلة أم أنها مؤامرة بدون أي دليل على من اتهمهم المتآمرون .
رد فعل رئيس الوزاء التركي يثير الشكوك بقدر ما تثيره التهم التي قيل إن المتآمرين أطلقوها بهدف إسقاط الحكومة .. وسيكون من المؤسف أن ينهار القانون والعدالة في حكومة تفاءل الكثيرون داخل تركيا وخارجها بأن تكون نموذجاً للديمقراطية والشفافية وحكم القانون في الدول الإسلامية .
ص0ب 2048 جدة 21451 adnanksalah@yahoo.com
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store