** تعجبُ أشدّ العجبِ من بعضِ خلقِ اللهِ حينمَا يُساقُ إلى مَا يريدُ، وإلى مَا لا يريدُ.. إمَّا خوفًا، أو ضعفًا، وإمَّا جهلاً، أو سوءَ تقديرٍ؛ حتَّى أصبحَ الواحدُ من هؤلاءِ علامةً فارقةً بين المعارفِ والأصحابِ، ومثارًا للسُّخرةِ، والشَّفقةِ!!
** ويزدادُ العجبُ حينمَا يُساقُ البعضُ من النَّاسِ إلى مَا لا يريدُ؛ رجاءَ منفعةٍ مقدَّمةٍ، أو مكسبٍ مبتغىً؛ فيتلوَّن بكلِّ الألوانِ، ويتشكَّل بمَا تمليهِ لغةُ المكسبِ والخسارةِ!!
** وهذَا الصَّنفُ من النَّاسِ خالِيَ الوفاضِ من ضميرٍ حيٍّ، أو وازعٍ من دينٍ، فهو لاهٍ، ساهٍ بما تمليهِ عليهِ حساباتُهُ المرتجاةُ. فقدْ استكانَ إلى هواهُ، واستسلام لنفسهِ، ودناءةِ مسلكِهِ تجرُّهُ الأيادِي في كلِّ اتِّجاهٍ كخرقةٍ باليةٍ في أعلَى شجرةٍ تتقاذفُهَا الرِّيحُ يمنةً وشمالاً!!
** الكثيرُ من الخلقِ إنْ رأَى النَّاسَ أحسنُوا أقبلَ على الإحسانِ بكلتَا يديهِ، وأطرافِ لسانِهِ، وإنْ رآهُم أساءُوا هرولَ مسرعًا نحوَ الإساءةِ بكلِّ مَا مَلَكَ، فهُو في غدوِّهِ ورواحِهِ يقولُ بمَا يقولُ بهِ غيرُهُ، مطواعًا لكلِّ فعلٍ، ديدنُهُ إسقاطُ نفسِهِ في سوءاتِ الأقوالِ والأفعالِ؛ مثلُهُ الأعلَى: "معَ الخيلِ يا شقرَاء".
** إنَّ الرَّسولَ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ- تحسَّسَ ذلكَ كلَّهُ حينمَا قالَ: "لا يكنْ أحدكُم إمَّعةً يقولُ: إنْ أحسنَ النَّاسُ أحسنتُ، وإنْ أساؤُوا أسأتُ؛ ولكنْ وطِّنُوا أنفسَكُم إنْ أحسنَ النَّاسُ أنْ تُحسِنُوا، وإنْ أساؤوا تجتنِبُوا إساءَتهم".
** إنَّ قولَ الرّسولِ -عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ- دعوةٌ صادقةٌ تستوجبُ التَّمثلَ والاقتداءَ، ولفتةً ملحَّةً -أيضًا- إلى الاستقلالِ بالرأيِ، واتِّخاذِ القرارِ، والاحتكامِ إلى العقلِ بالموازنةِ والمقارنةِ.
** يقولُ الخليفةُ المنصورُ موصيًا ولدَهُ:" خُذْ عنِّي اثنتينِ: لا تقلْ في غيرِ تفكيرٍ، ولا تعملْ بغيرِ تدبيرٍ".
** نعمْ؛ لا تقلْ، ولا تعملْ إلاَّ بشرطَينِ: تفكيرٌ، وتدبيرٌ!
** إنَّ هذِه اللَّفتةَ الملحَّةَ لا تعدُو في حقيقةِ أمرِهَا إلاَّ دعوةً إلى ربحِ النَّفسِ الذي لا يعلُوه أيُّ ربحٍ؛ وهلْ بعدَ ربحِ النَّفسِ من ربحٍ يعلُو علَى كلِّ مكسبٍ ومغْنمٍ؟!
** فمَن ربحَ نفسَه فقدْ بلغَ الغايةَ المبتغاةَ، وجنَى من ذلكَ أطايبَ الثَّمرِ وأشهاهُ.
** ومَن خسرَ نفسَه فبشِّرهُ -عاجلاً أم آجلاً- بخسارةٍ لا ترتفعُ فوقَها أيُّ خسارةٍ، ولوْ ملكَ الدُّنيَا بقضِّهَا وقضيضِهَا.
** إنَّ الكرامةَ هِي المثلُ الأعلَى الذِي يسعدُنَا حينَ نخسرُ، كمَا يسعدُنَا حينَ نغنمُ ونظفرُ -كمَا يقولُ أحدُ الفلاسفةِ- لأنَّنَا نفقدُ ما نفقدهُ علَى علمٍ بفقدانِهِ؛ بلْ نحنُ نختارُ الفقدانَ ونفضِّلهُ علَى الغُنمِ والظَّفرِ، ونؤمنُ بأنَّنَا ضيَّعنَا شيئًا من أجلِ شيءٍ آخرَ حفظنَاهُ وأبقينَاهُ، وهُو أعزُّ وأجدرُ بالصِّيانةِ ممَّا ضيَّعنَاهُ.
** إنَّ حفظَ الكرامةِ تسعدُكَ كاسبًا وخاسرًا، ناجحًا ومخفقًا، غالبًا ومغلوبًا؛ في كلِّ معركةٍ يهمُّكَ أنْ تخوضَهَا، ولنْ تخوضَ إلاَّ معركةً تستحقُّ أنْ تُخاضَ ما دامَتِ الكرامةُ هِي الوجهةُ التِي تتَّجهُ إليهَا في جميعِ الأحوالِ والأزمانِ..!!
مِنْ دَفْترِي الأَبْيَض
تاريخ النشر: 24 يناير 2014 00:15 KSA
** تعجبُ أشدّ العجبِ من بعضِ خلقِ اللهِ حينمَا يُساقُ إلى مَا يريدُ، وإلى مَا لا يريدُ..
A A