Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

هل أمريكا عاجزة.. أم أنها ضائعة ؟!

من الصعب، بالنسبة لدول الشرق الأوسط عدم المقارنة بين موسكو وواشنطن هذه الأيام عند اختيار من يمكن الاعتماد عليه مرورًا بعنق الزجاجة الذي تعيشه المنطقة خاصة أن إدارة الرئيس الروسي، بوتين، نجحت في فرض نف

A A
من الصعب، بالنسبة لدول الشرق الأوسط عدم المقارنة بين موسكو وواشنطن هذه الأيام عند اختيار من يمكن الاعتماد عليه مرورًا بعنق الزجاجة الذي تعيشه المنطقة خاصة أن إدارة الرئيس الروسي، بوتين، نجحت في فرض نفسها لاعبًا مهمًا في المنطقة عندما قبل الرئيس الأمريكي، أوباما، تسليم بعض المفاتيح المهمة لها.
فالرئيس أوباما عجز عن اتخاذ قرار بمواجهة آلة القمع العسكرية الهمجية التي يستخدمها نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري بما في ذلك السلاح الكيماوي، فسارع بوتين إلى إنقاذ أوباما من (ورطته) وتولّى إدارة الملف السوري بحيث أوصله إلى قرار صادر من الأمم المتحدة بتخلي نظام الأسد عن سلاحه الكيماوي، وقام بتعزيز التواجد العسكري الروسي في سوريا ووفر لبشار الأسد فسحة من الوقت يستخدم فيها أسلحة أشد فتكًا ضد الشعب السوري، بل وتمكن الأسد من الاحتفاظ بسلاحه الكيماوي بحجج واهية (لم يتم شحن سوى نحو 3 % من السلاح الكيماوي لخارج سوريا).
من المسلم به أنه لا توجد صداقات في السياسة بين الدول وإنما مصالح.. وأحس الدب الروسي أن الوقت هو الآن لتحقيق مصالحه في المنطقة على حساب التقهقر الأمريكي المعلن وعدم الحسم الأمريكي الواضح، وتبني حماية النظام السوري في مواجهة تهديدات إدارة أوباما عندما اكتشف أنها غير جادة، ومؤخرًا مد يده لمصر لمساعدتها على مواجهة الإرهاب والمخاطر الأخرى التي تواجهها، ويقف الآن متأهبًا للاستفادة من الفرص التي سيوفرها له الانسحاب الأمريكي من المنطقة إذا ما تم.
أمريكا بحاجة إلى ترميم بيتها الداخلي، وإصلاح أخطاء ترتكبها إدارة أوباما في الوقت الحاضر إذا رغبت أن يأخذها الآخرون بجدية.. فالدولة (أي أمريكا) التي تضررت من الإرهاب تحوّلت إدارتها إلى مبررة له طالما أن من تقوم به هي جماعات إسلام سياسي معتدل من وجهة نظرها (الإخوان المسلمين) وذلك على أرض غير أمريكية.
والسياسة الحالية للبيت الأبيض تدل على تبني صانعي القرار في الإدارة لتصورات وتوقعات غير عملية، بما في ذلك سعيها للقيادة "من الخلف" وتأييدها لإحداث "فوضى" تعتبرها هي "خلاقة" في دول الشرق الأوسط مما حولها إلى منطقة صراع دموي، ثم دخولها في حوار مع الإيرانيين، أدى إلى قيامها بسحب حاملة طائرات من الخليج كبادرة حسن نية لطهران في الوقت الذي كان الإيرانيون يطلقون الصواريخ إلى الفضاء الخارجي ويعلنون أن أسطولهم (سفينتين صغيرتين) اتجه إلى الشواطئ الأمريكية.
وإذا كانت إدارة أوباما ترغب حقًا في نقل اهتماماتها إلى آسيا فإنها تتصرف بشكل غريب، فالاهتمام بمنطقة لا يعني التخلي عن المصالح في منطقة أخرى والإعلان عن ذلك، بل يمكن المحافظة على المصالح المشتركة مع دول الشرق الأوسط بشكل لا يكون عبئًا على إمكانياتها في مواصلة وتوسيع تواجدها في آسيا. كما أن اهتمامها بآسيا كان يمكن أن تعبر عنه بشكل أفضل مما حدث حتى الآن، فأوباما ألغى زيارتين رسميتين لماليزيا والفلبين في العام الماضي، ثم تخلف عن قمتين آسيويتين مهمتين عقدتا خلال شهر أكتوبر الماضي، إحداهما في بالي، بإندونيسيا، والثانية في بورنيو، بسلطنة بروناي، مما دفع أحد القادة الآسيويين إلى وصف تصرف أوباما هـذا بأنه "جنون مطلق تمامًا"، حسبما ذكرت صحيفة (الإيكونوميست) البريطانية.
ومقابل التراجع الأمريكي في آسيا تصدرت الصين المشهد، وقاد رئيس الحزب الشيوعي الصيني وفد بلاده في القمتين، ثم قام بزيارتين خاصتين لكل من ماليزيا وإندونيسيا، وأعلن في جاكرتا عن إنشاء "بنك آسيوي للبنى التحتية" سوف يقوم باستثمار بلايين الدولارات في الدول الآسيوية التي دعاها الرئيس الصيني لتكون عضوًا مؤسسًا في هذا البنك.
ما نراه يدل على أن من يديرون السياسة الخارجية في البيت الأبيض عاجزون عن أداء دورهم كدولة كبرى، إن لم تكن الأكبر، إذ يتوفر لأمريكا أقوى اقتصاد في العالم، وأضخم مؤسسة عسكرية ونفوذ قوي جدًا في مؤسسات دولية اقتصادية ومالية وسياسية واجتماعية تستخدمها أمريكا كأداة من أدوات سياستها الخارجية.
بالرغم عن ذلك تعيش إدارة أوباما في حالة من عدم الاتزان وفقدان الثقة.. وإذا واصلت هذا الإدارة سياستها الحالية لما تبقَّى لها من فترة رئاسية فإن متغيرات عديدة يمكن أن تحدث على أرض الواقع في الشرق الأوسط أو آسيا ستجعل مستقبل الدور الأمريكي العالمي شديد الصعوبة وقليل التأثير وعالي التكلفة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store