Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المفكر عاصم حمدان.. كما عَرفْتُه

u0627u0644u0645u0641u0643u0631 u0639u0627u0635u0645 u062du0645u062fu0627u0646.. u0643u0645u0627 u0639u064eu0631u0641u0652u062au064fu0647

هناك رجالٌ قلائل يدفعونك دفّعًا أن تقول فيهم كلمة لا تُقاس بمفاهيم القول السَّريع في صحيفة سيَّارة، سرعان ما تُقرأ ثمَّ تطوى، فترمى.

A A

هناك رجالٌ قلائل يدفعونك دفّعًا أن تقول فيهم كلمة لا تُقاس بمفاهيم القول السَّريع في صحيفة سيَّارة، سرعان ما تُقرأ ثمَّ تطوى، فترمى.
ولكن؛ لا تثريب من قول كلمة تجوس في داخل الإنسان حينما تعترضه مناسبة للقول والبوح، تارةً اعترافًا بالجميل، وتارةً أخرى لتثمين الجهد وتقديره والحفاوة به، وتارات بالأثر، الذي يحدثه هذا الرَّجل أو ذاك.
لي كتاب أحاول أن أُسجّل فيه بعض المواقف لرجالٍ عرفتهم؛ اصطحبتهم فترة من الزَّمن آنستُ بالحديث إليهم حال اجتماعنا على فكرة شاردة، أو رؤية مشتركة، وآخرين عرفتهم بصحبة القراءة في ليالٍ طويلة، فتأثَّرت بهم في الحالين حتَّى أحدثوا في داخلي حدثًا جوهريًَّا يُقاس بالتَّحول في مسيرة الإنسان.
الحقيقة التي أعرفها إلى السَّاعة، إنَّهم كُثر لا يُقاسون بالعدد من واحد حتَّى ألف؛ بل بمقدار الأثر سواء إنسانيًَّا أو فكريًَّا أو معرفيًّا.
قيل عدَّة أيام كرَّم الدكتور مارون القمَّاش وهو أحد تلامذة البروفسور والأكاديمي والمفكر الأستاذ الدكتور عاصم حمدان بمناسبة خروج الطَّبعة الثَّانية من ِكتابه (المدينة المنوَّرة بين الأدب والتَّاريخ) فكان حقٌ عليَّ أن اهتبل هذه الفرصة لقول كلمة في حقِّ هذا الرَّجل على اعتبار أنَّه من أولئك الرِّجال القلائل، الذين أحدثوا في داخلي اثرًا؛ سواء كان ذلك الأثر على المستوى الإنسانيِّ، أم المعرفيِّ، أم الفكريِّ.
لقد صَحبْت الأستاذ الدكتور عاصم أكثر سنوات حياتي عندما كان والدي- حفظه الله- يقدِّم بين يدي أنا وأخوتي صحيفة "المدينة" الغراء كي نقرأ منها ما تيسَّير لنا من فنون القول وباحات الفكر، فكانت مقالات الدكتور عاصم من أوائل ما أقرؤه؛ وهو يتنقَّل بي من فنن إلى فنن متأمِّلًا تلك الفكرة الأدبيَّة أو النّكتة الشَّاردة وهي تتبدَّي لعقلي الصَّغير سطورًا يانعة ومقولاتٍ دامغة دفعًا عن الإسلام، وتفنيدًا لمزاعم شانئيه، لأنَّه حينما يكتب، لا يكتب كتابةً مرتجلةً سهلةَ المنال سرعان ما تطويها الذَّاكرة وتمحيها؛ ولكنَّه يكتب لبقى أثر ما يكتب لسنوات عديدة، إنْ لم أقلْ لأجيالٍ متعاقبة، فعلى كَثَرة ما كتب في فنون القول وخاصَّة في تأريخ الأدب وقضاياه، أو الرَّد على المستشرقين وتفنيد مزاعم بعضهم لن تجد مقالًا واحدًا ممَّا كَتَبه لا يستحق القراءة أو الاحتفاظ به؛ فضلًا عن أن تعود إليه بين الفينة والأخرى؛ لأنَّ مقالاته في جملتها أشبه بتلك البحوث المركَّزة، التي تستحق التَّأمُّل كما تستحق المناقشة والمداولة.
وبعد سنوات عديدة درست عليه في مرحلتيّ الماجستير والدكتوراه، هو وثلَّة متميّزة من أساتذة الأدب والنَّقد، فكان موسوعة علميَّة تتحرَّك على رجلين، فإذا تحدَّث فكأنَّما يقرأُ من كتاب، أو يستقى من بحر، طارحًا الكثير من التَّساؤلات تتبدَّى فيها آراؤه تأييدًا أو تفنيدًا أو تصحيحًا، وقد امتلأت منضدته بالكُتب المتنوّعة، لا للقراءة منها فقط؛ بل لخلق صورة حيَّة لطلابه ومريديه للاستزادة منها ومناقشة ما يُطرح فيها.
***
وذلك شأن؛ أمَّا الشَّأن الثَّاني فما زالت الذَّاكرة تحتفظ بصورته وهو يسير بين أروقة جريدة "المدينة" في تؤدة ووقار، وبخطىً واثقة لا تعهدها في كثير من الرِّجال، زارعًا في كلِّ ناحية تلك الابتسامة، التي تُخْجلك وتقرك بصلفك، فكان يحفّني بالمحبَّة والمودَّة والاتصال حتَّى حسبت أنَّني الوحيد العامر في قلبه؛ ولكن.. وبعد عهد طويل تكشَّف لي أنَّ هذا ديدنه مع كلِّ من يعرفه ومن لا يعرفه، فغبطته على هذه الصِّفة النَّادرة فعلى مثل هذا يُغْبط العلماء؛ فضلًا عن بقية خلق الله من آدم وحواء.
هكذا كان يقول: "ياولدي.. يا حبيبي"، حينما أقابله، وحينما اتصل عليه أو يتصل بي، تأتيك تلك الكلمات من خلف قلب أبيض ينبض بصدقِ تشعر به، إنها ليست كلمات تُقال عرضا دون أن تحسّها أو تعبر في داخلك؛ وذلك غيض من فيض.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store