Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

أمانة جدة.. تصاريح البناء وإشكاليات أخرى (2)

تناولتُ في مقال الأسبوع الماضي؛ الإشكاليات التي تُواجه أمانة جدة، من عدم اكتمال البنية التحتية للمدينة، من مشروعات مياه، وصرف صحي، ودرء لمخاطر السيول، وشبكة تصريف الأمطار، ومشروعات الكهرباء والهاتف..

A A
تناولتُ في مقال الأسبوع الماضي؛ الإشكاليات التي تُواجه أمانة جدة، من عدم اكتمال البنية التحتية للمدينة، من مشروعات مياه، وصرف صحي، ودرء لمخاطر السيول، وشبكة تصريف الأمطار، ومشروعات الكهرباء والهاتف.. وغيرها، وبرغم ذلك، هناك كَمٌّ من المشروعات تُنفَّذ حالياً في معظم أنحاء جدة، وهذا مُؤشِّر جيّد على أن ثمّة جهوداً تُبذل، وإنجازًا على أرض الواقع يلمسه الجميع.
وقد أشرتُ إلى أنه ليست هناك إشكالية في توجيه النقد لأمانة جدة وموظفيها، فالجميع هناك أشعروني بترحيبهم بالنقد؛ شريطة أن يكون صادقًا بنّاءً، وقد طلب مني معالي الأمين الدكتور هاني أبوراس الكتابة عما أشاهده وألاحظه بكُلِّ صدقٍ وأمانة، وها أنا ذا، أتناول هذا الأسبوع موضوعاً يهم المواطنين كثيراً، وهو استخراج رخص البناء، والإشكاليات التي قد تواجه المواطن أثناء استخراجها.
فقبل الشروع في التقدم لاستخراج رخصة بناء لفيلا، أو عمارة سكنية، أو مجمع تجاري، أو مشروع استثماري، أو سياحي... إلخ، يحمل المواطن هَمّ المُعاناة التي سيُعانيها أثناء استخراجه لتلك الرخصة، ويبدأ بتوجيه النقد للأمانة، كونها المُتسبِّب في طول الوقت؛ لاستخراج كروكي للأرض وتصريح البناء.
وقد كان استخراج الكروكيات وتصاريح البناء عبر إدارة تخطيط المدينة والبلديات الفرعية، وكان رئيس البلدية يملك صلاحيات يستطيع من خلالها منح زيادة عن النسبة المحددة في نظام البناء لمَن يرغب، إلا أن المواطن -الذي لا حول له ولا قوة- عانى من البيروقراطية السائدة، أما المتنفّذون فالأمر بالنسبة لهم مُختلف.. وقد ساعدت هذه الإجراءات المطوّلة على ظهور المحسوبية وأحياناً "الرشوة"، إضافة إلى أن أغلب المكاتب الهندسية -وهذا غير مستبعد- لها علاقات غير مباشرة مع بعض موظفي رخص البناء، علماً بأن الأمانة بدأت بإحداث نقلة نوعية إلكترونية لتسهيل الإجراءات وتخفيف المعاناة، وتعاملت مع الجميع بشكلٍ متساوٍ أمام الأنظمة واللوائح، لمحاولة القضاء على المحسوبية والرشوة والبيروقراطية، وذلك بإنشاء إدارة تراخيص بناء مركزية، لاستخراج الرخص إلكترونياً، كما هو متبع في العالم المتقدم (حكومة إلكترونية) لتخفيف الأعباء والمعاناة على المراجع، فقامت الأمانة بتأهيل وتهيئة عدد من المكاتب الهندسية لإصدار رخص البناء عن طريقها، وذلك بربط تلك المكاتب بإدارة تراخيص البناء آلياً، من خلال نظام المسار السريع، ناهيك عن أن جميع الاشتراطات والإجراءات متوفرة بكل تفاصيلها في موقع الأمانة الإلكتروني، وتوجد قناة تواصل إلكتروني مع المكاتب الاستشارية؛ ليتم تزويدهم بكل جديد، ولتحديث ما يُستجد من أنظمة، وقد كان لابد من تأهيل وتدريب العاملين في الأمانة على الأنظمة والإجراءات إلكترونياً، وإجراء تقييم لما تم عمله وإنجازه، وتحديد أوجه القصور والسلبيات، وإيجاد الحلول بصفةٍ عامة، وإعادة التقييم بشكلٍ مستمر، إلا أن غالبية المراجعين لم يتقبّلوا النقلة النوعية التي أحدثتها الإدارة السابقة لأمانة جدة؛ بسلبياتها وإيجابياتها كالمتبع، ولكن نحن معذورون، لأن ثقافتنا في التحديث والتطوير والتغيير تختلف عن الآخرين، وكان على المراجعين تَقبُّل أوجه القصور في الخدمة لحين الوصول إلى الأهداف المرغوبة، لكن طَبْعنا "العَجَلَة" نَظراً للثقافة السائدة لدينا.
لقد عانى المواطن من طول فترة استصدار الكروكي، الذي قد يستغرق عدة شهور بل سنوات حسب الإجراءات المتبعة، ناهيك عن أن رخص البناء لـ(فيلا أو عمارة سكنية) قد تستغرق نفس الفترة، وقد اتهم عدد من المستثمرين "الأمانة" بأنها طاردة للاستثمار، نظراً للتعقيدات والبيروقراطية، وطول الفترة الزمنية لاستصدار تراخيص البناء للأبراج السكنية والتجارية، والفنادق والمولات، والمراكز التجارية والسياحية، كما تم توجيه اتهام لبعض موظفي إدارة التراخيص بالأمانة بالقصور في فهم الأنظمة، ناهيك عن التغيّرات المتكررة لاشتراطات البناء.. فقد كان في السابق يتم الترخيص ببناء ملحق عبارة عن دورين (فيلا)، والآن أصبح الترخيص يصدر بدور واحد فقط، علماً بأن الغالبية حصلوا على الترخيص بدورين.
كل ما ذُكر آنفاً عرضتُه على مدير رخص البناء، المهندس الشاب "سعيد المالكي"، الذي استقبلني بصدرٍ رحب، والذي كان له آراء أخرى مُؤيّدة ومُخالِفة لما ذُكر، وقد كنتُ أُراقبه عن كَثَب، وعندما علم بأنني كاتب رأي، ابتسم وقال لي: إذا كان لك معاملة لدينا فأخبرني من الآن؟ فرددتُ بأنني ليس لي معاملة لديهم، وأنا أعي الأنظمة والقوانين، ثم سألته: لماذا هذا السؤال؟ فأجابني بأن أحد كُتَّاب الرأي قابله وأثنى عليه وعلى الأمانة بـ"مقالِ مدح" في البداية، وعندما لم تُنجز معاملته، كَونها مُخالفة للنظام، انهال على الأمانة بسيلٍٍ من الانتقادات، فضحكتُ وقُلت له: لا توجد لي معاملة لديكم والحمد لله، ولستُ مِن هؤلاء.
هذا المهندس الشاب دمث الخلق، شعلة من النشاط، وقد تقبَّل نقدي بسعةِ صَدر، وأجابني بكل شفافية على جميع أسئلتي عن الأمانة، بما لها وما عليها، والتي ستُنشر تباعاً في مقالاتٍ قادمة. وأنا أراهن إذا استمر المهندس "سعيد المالكي" على نفس النهج والنشاط؛ والإنجاز التقني في إدارته، فالمستقبل الوظيفي أمامه واعداً.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store