Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مَن يحفظ لنَا قِيمَنَا؟!

u0645u064eu0646 u064au062du0641u0638 u0644u0646u064eu0627 u0642u0650u064au0645u064eu0646u064eu0627u061f!

يعيشُ العالمُ اليومَ إشكالاتٍ أخلاقيَّةً متداخلةً، تلامسُ بشكلٍ مدهشٍ حياةَ النَّاسِ (الخاصَّةِ!) وتتماسّ وواقع البشريَّةِ في الصَّميمِ، على اختلافِ العاداتِ والتَّقاليدِ والأعرافِ؛ ناهيكَ عن الاخ

A A

يعيشُ العالمُ اليومَ إشكالاتٍ أخلاقيَّةً متداخلةً، تلامسُ بشكلٍ مدهشٍ حياةَ النَّاسِ (الخاصَّةِ!) وتتماسّ وواقع البشريَّةِ في الصَّميمِ، على اختلافِ العاداتِ والتَّقاليدِ والأعرافِ؛ ناهيكَ عن الاختلافِ المتجذِّرِ في العقائدِ والأديانِ والعباداتِ.
ولذلكَ أوجدَ الفكرُ الإنسانيُّ ضروبًا من الاجتهادِ، وكثيرًا من ألوانِ الحلولِ؛ ولكنَّهَا وقفتْ دونَ الوصولِ إلى حلولٍ جذريَّةٍ تأخذُ البشريَّةَ إلى شَّاطئِ الأمانِ -خاصَّةً في عصرِ الفضاءِ المفتوحِ، ودخولِ الإنسانيَّةِ في القريةِ الكونيَّةِ- حتَّى أصبحَ العاقلُ في حيرةٍ من أمرهِ، بعدَ أنْ استولتْ عليهَا أفانينُ مبدعةٌ للتَّواصلِ، وآسرتُه نوافذُ كانتْ إلى عهدٍ قريبٍ موصدةً.
وتتركَّزُ المعضلةُ الكبرَى في الأثرِ البيَّنِ الذِي لا تخطيهِ عينُ الرَّاصدِ، مَا يلمسُهُ المتابعُ من ازدواجيَّةٍ في مجموعِ القيمِ الإنسانيَّةِ حتَّى استفحلَ ذلكَ الأثرُ، فطالَ أكثرَ أنماطِ السُّلوكِ الاجتماعيِّ في بُعْدِهِ الأخلاقيِّ والقِيميِّ.
وإذَا كنّا نقرُّ -أولاً- بوجودِ تلكَ الازدواجيَّةِ الأخلاقيَّةِ، إلاَّ أنَّهَا تختلفُ باختلافِ العصورِ والأجناسِ والجماعاتِ، وتحكمُهَا عواملُ مؤثِّرةٌ يأتِي في مقدِّمتِهَا البعدُ الزمنيُّ والمكانيُّ.
كما نقرُّ-ثانيًا- أنَّ اختلافَ وجهاتِ نظرِ النَّاسِ إلى القيمةِ الأخلاقيَّةِ لا يعكسُ فقطْ اختلافَ نفسياتِهِم وطرائقَ تفكيرِهِم؛ بلْ هُو اختلافٌ في وجهاتِ النَّظرِ حولَ تلكَ القيمةِ ومنطلقاتِهَا المعنويَّةِ، فمَا كانَ قِيمًا أخلاقيَّةً في زمانٍ ماضٍ قدْ أصبحَ غيرَ أخلاقيٍّ في زمانٍ آخرَ، ومَا كانَ فضيلةً حيَّةً محسوبةً على ذاتِ المجتمعِ أصبحَ رذيلةً، ومَا قدْ يكونُ هنَا في مجتمعِنَا أخلاقيًّا أوْ يحملُ قيمةً أخلاقيَّةً قدْ لا يكونُ أخلاقيًّا، أوْ ذَا قيمةٍ أخلاقيَّةٍ في بقعةٍ جغرافيَّةٍ أخرَى؛ وهكذَا...
ولنَا أنْ نقرَّ -ثالثًا- بأنَّ هناكَ قواسمَ من القيمِ المشتركةِ، لا تغفلُ عنهاَ الإنسانيَّةُ؛ ولكنْ ربَّمَا تتقاطعُ تلكَ القواسمُ المشتركة،ُ أو تذوبُ في أتونِ الحضارةِ المعاصرةِ بعدَ أنْ أصبحَ العالمُ قريةً كونيَّةً صغيرةً، وأضحَى الفضاءُ بحرًا لا ساحلَ لَهُ، وهُو يزخرُ بكمٍّ هائلٍ من المشاربِ الثَّقافيَّةِ المتعدِّدةِ، والقيمِ المتنوِّعةِ، في ظلِّ هذَا العالمِ الذِي يموجُ بشتَّى القيمِ والأعرافِ والعاداتِ والتَّقاليدِ.
الأمرُ الذِي يجعلُنَا نقرُّ -رابعًا- أنَّ مَا تراهُ أنتَ صوابًا وحقًّا، قدْ يراهُ غيرُكَ هراءً وخطأً وهرتقةً، وما تراهُ سلوكًا معتبرًا يبصرُهُ غيرُكَ هشًّا لا قيمةَ لهُ، وما تنادِي بهِ آناءَ اللَّيلِ وأطرافَ النَّهارِ، لا يُحفلُ بهِ، فقدْ يعدُّهُ البعضُ هرطقةً رخيصةً لا يُعتدُّ بهَا، وما تراهُ عيبًا أوْ مسبَّةً يراهُ غيرُكَ فضيلةً وحسنةً.
وعلَى هذَا؛ فلا يمكنُ لعاقلٍ كائنٍ منْ كانَ أنْ ينكرَ مَا أحدثتهُ ثورةُ الاتصالاتِ ووسائلِ المعرفةِ الحديثةِ من تقريبٍ للمسافاتِ بين المجموعاتِ البشريَّةِ، علَى اختلافٍ في العقائدِ والمِللِ والنِّحلِ، وتنوِّعِ العاداتِ والتَّقاليدِ مَا أحدثَ نوعًا من الامتزاجِ والتَّقاطعِ؛ فضلاً عن التَّعارفِ والتَّداخلِ إلى حدِّ التَّجانسِ والتَّماثلِ!
الشَّيءُ الذِي لمْ يعدْ خافيًا عن الجميعِ ذلكَ الدَّورُ الكبيرُ والمدهشُ الذِي تلعبُهُ تلكَ الوسائلُ الإعلاميَّةُ بكلِّ تنوّعاتِهَا وتجلّياتِهَا، وما تفرزُهُ من ثمينِ القيمِ ورديئهِ، حتَّى تشكَّلَ في نهايةِ المطافِ هذَا الخليطُ الواسعُ من المعارفِ والقيمِ المتقاطعةِ، إلى حيث ذهبتْ بعضُ الأممِ إلى الهيمنةِ وإضفاءِ الشرعيَّةِ على جملةٍ من المفاهيمِ كفرضٍ واجبِ الاتّباعِ، وقيمةٍ يجدرُ بالبقيةِ الامتثالُ لهَا والاعتقادُ بها.
السّؤالُ المعنيُّ: مَنْ يحفظ لنَا قيمنَا الأخلاقيَّةَ والاجتماعيَّةَ في ظلِّ هذا الطَّوفانِ الهائلِ ممّا تخرجُهُ لنَا عباءةُ هذه القريةِ الكونيَّةِ وفضاؤهَا المفتوحُ!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store