لقد وضع بيان وزارة الداخليَّة الأخير(5/ 5/ 1435هـ) النِّقاط على الحروف، بعدما بدأت في الأفق مساعٍ خفيَّة على أيدي جماعات حزبيَّة وإرهابيَّة تأخذ مناحي عدّة، وتوجّهات مختلفة للنَّيل من هذا الوطن ومكتسباته، فبرزت أصواتٌ كثيرة تحت مسمَّيات متنوّعة متَّخذة الدِّين الإسلامي مطية لها، فجاء البيان واضحاً وشفَّافاً وحازماً لكلِّ معولٍ هادم أو تحزّب فاسد.
إنَّ البيان ضدّ كلّ من يحاول العبث بأمن هذا الوطن؛ ولكنَّه مع ذلك دعوةٌ صادقة إلى تفعيل الوعي الأمني داخل بنية المجتمع باعتباره ضرورة من ضرورات إنسان هذا الوطن، وإذا كان الوعي الأمني في بعض تعريفاته هو:" إدراك الفرد لذاته, وإدراكه للظروف الأمنيّة المحيطة به, وتكوين اتّجاه إيجابي نحو الموضوعات الأمنيّة العامّة للمجتمع."
ولا شكَّ أنَّ هناك سُبلاً عديدة بها يتشكَّل الوعي الأمني كما يشير كتاب (الوعي الأمني) للدكتور بركه الحوشان حيث يأتي في مقدمتها (الأسرة)؛ لأنَّها تشغل جانبًا مهمّاً في عمليَّة الضَّبط الاجتماعي؛ من خلال وظائفها المتعدّدة في التَّربية والتَّنشئة, وتأهيل الأفراد تأهيلاً اجتماعيَّا يمكِّنهم من اكتساب عضويتهم في المجتمع.
ثمَّ (المدرسة)؛ وهي ثاني العوامل؛ لأنَّها مِن أهم المؤسَّسات الاجتماعيَّة التي لجأت إليها المجتمعات الحديثة لتلبية حاجات تربويَّة وتعليميَّة عجزت عن تأديتها الأسرة بعد تعقّّد الحياة, لذلك أصبحت المدرسة مؤسَّسة اجتماعيَّة متخصِّصة.
أمَّا ثالث العوامل التي تقف وراء التَّشكيل الأمني فهو (المسجد), باعتباره مؤسَّسة اجتماعيَّة أوليَّة وذلك من خلال الدَّور الحيوي الذي يمكن أن يقوم به في إكمال دور الأسرة في عمليَّة التَّنشئة الاجتماعيَّة المبنيَّة على أُسس الإسلام وتعاليمه, كما أنَّ المسجد يضيء لطالبه طريق الإصلاح, وينبوع تصلح به القلوب لترى الحقائق, إنَّه دائرة أمن سلمي لا يحتاج إلى احتراب وسلاح.
أمَّا (جماعة الحي والرفاق) فهو رابع العوامل التي تقف وراء التَّشكيل الأمني, إذ يُسهم الحيّ في تزويد الفرد ببعض القِيم والمواقف والاتّجاهات والعادات والمعايير السلوكيَّة, فهو مكمل لدور الأسرة في التَّوجيه, وداعمًا لما تقدمه من سلوكيَّات ايجابيَّة.
أمَّا خامس العوامل التي تقف وراء التَّشكيل الأمني فيرجعه المؤلف إلى (وسائل الإعلام) حيث إنَّها تكتسب أهمّيتها في تنمية الوعي الأمني من قدرتها على الانتشار والتَّأثير في الجمهور العام بمختلف فئاته، إضافة إلى امتداد تأثيرها إلى مختلف الأعمار من كلِّ فئات المجتمع الذي تعمل من أجله جميع الأجهزة الأمنيَّة.
إنَّنا في هذه المرحلة في أشدّ الحاجة إلى تفهم هذا الوعي بكلِّ تجلياته، لأنَّ الكيان الوطنيّ الذي نستظل به -كما ذكرت ذلك في مقال سابق- قلّما يبقى متماسك اللّبنات مع حِدة الاحتكاك بصنوف من مروجيّ (الفتنة) ودُعاة (الفوضى) بدعاوى الحريَّة والإصلاح ففي أحضانها تُولد آلاف الرّذائل، وتَخْتَمر في حوضها مجموعة من الجرائم ولات ساعة مندم!
فإذا تركنا الوطن الذي نحبّه لعوامل الفوضى والفتنة ومن يدعو إليها لتنال منه فهي آتيةُ عليه، وعندئذٍ تنفرط عقوده كما تنفرط حبّات العقد إذا انقطع مأمنه، حتّى يصبح في يدِ العابثين فُرطُا؛ وحاشاه من ذلك كلّه وفيه المخلص والمحبّ والمصلح.
إنَّ الوطن ينبغي أن يُفهم على أنَّه كالنَّفس البشريَّّة لا غنى فيها عن عضو أو خليَّّة إذا تقطّعت أواصرها ولم يعد يربطها نظام ينسِّق شؤونها، ويرْكز قواعدها حتَّى تصبح مشاعرها وأفكارها وعواطفها كالحبَّات المنفرطة السَّائبة لا خير فيها ولا حركة.
البَيانُ الأخير.. والوعي الأَمْنيّ
تاريخ النشر: 14 مارس 2014 04:48 KSA
لقد وضع بيان وزارة الداخليَّة الأخير(5/ 5/ 1435هـ) النِّقاط على الحروف، بعدما بدأت في الأفق مساعٍ خفيَّة على أيدي جماعات حزبيَّة وإرهابيَّة تأخذ مناحي عدّة، وتوجّهات مختلفة للنَّيل من هذا الوطن ومك
A A