Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

تجربة أردوغان مع الديمقراطية

اهتمام الكثيرين بما يجري هذه الأيام على الساحة السياسية التركية ، ليس فقط بسبب الطرافة المأساوية لمواقف سياسي تركي ناجح تحول فجأة إلى متهم بالفساد ويرفض الدخول في مسيرة قضائية لإثبات براءته بل يعمل عل

A A
اهتمام الكثيرين بما يجري هذه الأيام على الساحة السياسية التركية ، ليس فقط بسبب الطرافة المأساوية لمواقف سياسي تركي ناجح تحول فجأة إلى متهم بالفساد ويرفض الدخول في مسيرة قضائية لإثبات براءته بل يعمل على تحطيم ( المعبد) الديمقراطي والإقتصادي الذي بناه خلال سنوات حكمه لأكثر من عشر سنوات ، وإنما يتزايد الاهتمام غرباَ وشرقاً بأردوغان كقائد لنموذج سياسي حاكم قال إنه يمثل " الإسلام المعتدل " الملتزم بالعمل بالقواعد الأوربية والأمريكية للدولة الديمقراطية . وإذا به يعجز عن الالتزام بأي منها عندما يجد أنها غير كافية لإطلاق يده في حكم البلاد والتحكم بمصير تركيا والمحافظة على اعتباره ( معصوماً ) عن المساءلة في أي أمر يقوم به أو ينفذه أحد المقربين منه أو أي من أفراد عائلته . أمريكا كانت سعيدة جداً بنجاح حزب الحرية والعدالة في تولي الحكم في تركيا عبر صناديق الإقتراع ، ومارست ضغوطاً عديدة على القوات المسلحة حتى لا تتدخل في حكم الحزب الجديد. إذ كان صعود حزب إسلامي معتدل إلى السلطة في بلد إسلامي يتوافق والتصور الذي خرجت به بعض مراكز الأبحاث الأمريكية ، وتبناه ساسة وتنفيذيون ضمن الجهاز الحاكم هناك ، وهو أن أفضل سبيل لحماية الديمقراطية الأمريكية – الأوربية من تجاوزات الحركات الإسلامية المتطرفة هو تشجيع صعود أحزاب سياسية بتوجهات إسلامية معتدلة للحكم ومساعدتها لكي تعمل ضمن قواعد الديمقراطية والليبرالية الغربية ، وبهذا تدخل الدول والمجتمعات الإسلامية في لعبة الديمقراطية ، كما تجري في دول أوروبا وأمريكا ، وتركز الحركات الإسلامية اهتماماتها داخل بلدانها ويتقلص التهديد من الجماعات المتطرفة المتعطشة للدماء .
واكتشفت أمريكا في رجب طيب أردوغان نموذجاً جذاباً لزعيم حزب يتبنى أسلوباً سياسياً إسلامياً معتدلاً التفّت حوله الجماهير وينجح في تنفيذ سياسات إصلاحية أدت إلى تعافي الاقتصاد التركي وتحقيق معدلات نمو عالية شجعت الممولين الأوربيين والأمريكيين ومنظمات دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى ضخ عشرات المليارات من الدولارات في الاقتصاد التركي المزدهر . كما كثف الأمريكيون ومعهم الأوروبيون ضغوطهم على قادة القوات المسلحة التركية عندما قرر أردوغان تصفية الجيش من القيادات غير المرغوب فيها ومحاسبة القادة المتقاعدين على أفعال مسّت قادة أحزاب إسلامية سابقة ، ونجح بذلك في تحويل القيادات العسكرية ومعها القيادات الأمنية وكذلك أجهزة القضاء إلى أدوات طوعية بيده . وأدى الدعم الأمريكي العلني والمستتر إلى أن يطلق خصوم أردوغان عليه لقب ( عميل الـ CIA)
ما تجاهله أو نسيه أردوغان ، وهو يحقق الانتصار تلو الانتصار ، على مؤسسات الدولة ويطوعها لخدمته ، أن لديه شركاء في الداخل ما كان له أن ينجح في مسعاه بدونهم ، وهم جماعة فتح الله غولن ، الذي يعيش في جبال بنسلفانيا بأمريكا ويقال إنه على صلة وثيقة بالأجهزة الأميريكية المختلفة ، وقرر أردوغان تقليص نفوذ هذه الحركة عبر استهداف مصادر تمويلها وبدأ بالإعلان عن نواياه بإغلاق آلاف المعاهد التابعة للحركة توفر دخلاً ثابتاً جيدا لها ، فإذا به يفاجأ بانتشار تسجيلات موثقة لفضائح رشاوى وفساد ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي وتزامنت مع قيام أجهزة الأمن بمداهمة مقار أنصاره ووزراء في حكومته واعتقالهم مع تسريب معلومات عن التهم الموجهة لهم .
رد فعل أردوغان كان إنفعالياً وحاسماً . فقام بنقل آلاف من ضباط الشرطة من مواقعهم وأمر مئات من المدعين العامين والقضاة بالتخلي عن قضايا جماعته والانتقال إلى مناطق بعيدة ، واختار لقضاياه مدعين عامين وقضاة وضباط شرطة يثق بهم وبولائهم ، ومرر قوانين في البرلمان لحمايته والمتهمين من وزرائه وعائلاتهم ، وأعطى لنفسه صلاحيات تجعله سلطان تركيا الجديد . بل وعندما اكتشف أن سيطرته على الإعلام صحافة وراديو وتلفزيون لم تكن كافية لحجب المعلومات عن الرأي العام قام بحجب التويتر وهدد بفعل نفس الشيء تجاه وسائل التواصل الاجتماعي قائلاً للآلاف من أنصاره يوم الخميس الماضي : " سنمحو كل هذا ، بوسع المجتمع الدولي أن يقول هذا أو ذاك . لا يهمني على الإطلاق ، الجميع سيرون مدى قوة الجمهورية التركية " .
المفاجأة في موقف أردوغان ليس أن تصيبه التهم ، فكل سياسي يتعرض لمثل هذه الأمور ، ولكن المفاجأة تكمن فيما يبدو وكأنه خوف من كشف تفاصيل الإتهامات وعرضها أمام قضاء عادل . مما دفعه إلى تغيير النظام التشريعي والقضائي ليناسب سلطاناً مطلق الصلاحيات لا سياسياً يصعد ويهبط عبر صناديق الإنتخاب .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store