بات من المؤكد أن غالبية دول العالم تراهن على أدائها الاقتصادي، وكفاءاتها التنافسية كوسيلة جديدة لتكريس إشعاعها العالمي، وتوسيع وجودها وانتشارها. لذلك لم يعد من المفاجئ أن نرى سفارات العالم وقنصلياتها توكل إلى دبلوماسييها مهمة جديدة لم تكن معروفة سابقًا هي مهمة دعم انتشار الشركات الوطنية عالميًّا، وتشجيع الاستثمارات، وذلك في مسعى لدعم الاقتصاد والمساهمة في عملية النمو والانتعاش الاقتصادي الوطني.
هذا المفهوم الذي أدخله الأمريكيون والإنجليز إلى عالم الدبلوماسية؛ أصبح شائعًا في ظل تطوّر العلاقات وتشابكها، وتوسع امتدادات وترابط الاقتصادات المختلفة حول العالم. وباتت كل الدول تُكرِّس قسمًا كبيرًا من طاقاتها وجهودها الدبلوماسية لخدمة مصالحها الاقتصادية؛ بهدف فتح أسواق عالمية جديدة أمام شركاتها ومنتجات بلادها، وتشجيع المستثمرين للمساهمة في عملية النمو والتطوير التي تخطط لها.
من هنا تأتي أهمية بحث أطر الدبلوماسية الاقتصادية وأدواتها، وكيفية ممارستها، ودورها في دعم العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول، وبشكلٍ خاصٍّ -فيما يهمّنا نحن- العلاقات العربية الفرنسية. لأنه بات بإمكاننا الجزم بدون أية مبالغة أنه لم تعد هناك دبلوماسية بدون اقتصاد، وأن المصالح الاقتصادية باتت تشكّل عنصرًا هامًّا وحيويًّا في العلاقات الدولية، سواء كانت ثنائية أم متعددة الأطراف.
فالعالم العربي رغم العواصف التي تهب في بعض أقطاره، والانتفاضات التي تعيشها بعض الدول فيه، يبقى بين المناطق التي يتوقع صندوق النقد الدولي أن تشهد هذا العام نموًا يتخطى الأربعة بالمئة، على الأخص في منطقة الخليج، التي تتميّز بفرص واعدة، واستثمارات ضخمة بفعل وفرة المشروعات فيها، من بنى تحتية، إلى طرقات، وقطارات، ومرافئ، ومطارات، ومستشفيات، ومساكن، ومحطات كهرباء، وتحلية مياه، ومصافي تكرير جديدة، ومفاعلات نووية تستخدم للطاقة السلمية.
فدول الخليج العربي مرشحة لاستثمار 255 مليار دولار في بناء محطات توليد الطاقة غير التقليدية، وتحديدًا الشمسية. وفي مشروعات المياه يتوقع إنفاق 300 مليار دولار بحلول 2022. وفي مجال الإسكان تملك السعودية وحدها مشروعات استثمارات بأكثر من 67 مليار دولار، وتُخطِّط لبناء نصف مليون وحدة سكنية. وفي السكك الحديدية يتوقع إنفاق 160 مليار دولار، تستحوذ السعودية على قسم كبير منها.
ويمكن الإشارة إلى أن التبادل التجاري بين فرنسا والعالم العربي عام 2013 بلغ 54,44 مليار يورو، حظيت فيه فرنسا بفائض تجاري لصالحها قيمته 1,758 مليار يورو.
فبلغت الواردات الفرنسية من العالم العربي قيمة 26,343 مليار يورو، والصادرات إلى دول العالم العربي 28,102 مليار يورو.
وكانت الزيادة الأبرز مع المملكة العربية السعودية، حيث ارتفعت الواردات 10,9% والصادرات 6,03%. وظهر النمو نفسه تقريبًا في التبادل مع الإمارات العربية المتحدة، حيث زادت الصادرات الفرنسية 12,24%، والواردات 7,29%. ومع الكويت حققت الواردات الفرنسية زيادة بمعدل 48,5%، وقفزت الصادرات بنسبة 124,5% ممّا رفع التبادل بين البلدين بمعدل 77,58%. وفي المقابل عرف التبادل التجاري مع قطر انخفاضًا للصادرات الفرنسية بنسبة 4,92% مقابل ارتفاع للواردات بنسبة 8,39+%، فيما تراجعت الصادرات نحو البحرين 77,15-% مقابل تراجع للواردات بنسبة 32,54-%.
فالغرفة التجارية العربية الفرنسية لا زالت تؤكد بأن حجم التبادل التجاري بين فرنسا والعالم العربي ليس بمستوى علاقاتهم السياسية. ولا بد من العمل لتكثيف وتطوير هذا التبادل.
وهنا يأتي دور الدبلوماسية الاقتصادية التي يمكن أن تتحول إلى رافد قوي لترجمة العلاقات السياسية على الواقع الاقتصادي، ولكي تلعب دورًا أساسيًّا في المشروع السياسي، الذي يظل في صلب النشاط الدبلوماسي التقليدي.
لا شك بأن الغرفة التجارية العربية الفرنسية معنية بهذا الأمر، وهي تعمل منذ نشوئها عام 1970 على تحفيز كل الدوافع التي من شأنها أن تزيد التبادل التجاري بين فرنسا والعالم العربي عبر الندوات واللقاءات المباشرة بين رجال الأعمال والزيارات المتبادلة.. لتلقي الضوء على أهمية الاقتصاد في شد روابط العلاقات العربية الفرنسية، وبدورها بالارتقاء بهذه العلاقات إلى الشراكة المميّزة التي يسعى إلى تحقيقها الطرفان.
الدبلوماسية الاقتصادية: أولية مهمّات سفراء اليوم (2-2)
تاريخ النشر: 28 مارس 2014 03:32 KSA
بات من المؤكد أن غالبية دول العالم تراهن على أدائها الاقتصادي، وكفاءاتها التنافسية كوسيلة جديدة لتكريس إشعاعها العالمي، وتوسيع وجودها وانتشارها.
A A