المضاربات، والسعي وراء الكسب السريع، وتضخيم الموازنات، والتعاملات الوهمية في البورصات العالمية لم تكن الأسباب الوحيدة التي تكمن وراء حصول الأزمة المصرفية الدولية التي ضربت بشكل أساسي أسواق المال الأمريكية، ووصلت شظاياها بنسب متفاوتة إلى كافة بقاع العالم دون استثناء، بل السبب الجوهري يكمن في النظام المالي المعتمد عالميًا، والذي ترتفع الأصوات المطالبة حاليًا بضرورة تغييره.
ورغم أن السعودية باتت تحتسب بحكمة دورها ومكانتها من ضمن القوى الاقتصادية الفاعلة عالميًا، حيث يطالب البعض بضمّها إلى عضوية الدول السبع، ورغم أن لديها استثمارات كبيرة في مناطق مختلفة من العالم تصل إلى حدود مئات المليارات من الدولارات، إلا أنها لم تتأثر إلى حد كبير بالأزمة المالية العالمية، وذلك بسبب سلامة نظامها المالي والمصرفي، وصحة الرقابة الممارسة من قبل الجهات الرسمية المعنية التي تمكنت منذ فترة طويلة من مزاوجة النظام الاقتصادي الليبرالي مع الإشراف الحكومي بحيث لا يكون الاقتصاد موجهًا كما كان يحصل في المجتمعات ذات الطابع الاشتراكي، ولا اقتصاد حر بالمطلق كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية حيث أصبح الرأسمال هو الذي يقود البلاد سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وحتى أمنيًا.
وإضافة إلى صحة الإشراف الرسمي فإن لدى السعودية ميزة اقتصادية خاصة بها من خلال امتلاكها للنفط بحيث ان حصتها الإنتاجية تتيح لها قدرة التحكم بأي أزمة مالية وحصر أضرارها دون أن يكون لذلك انعكاسات كبيرة على المستوى المعيشي للمواطن، كما تتيح سهولة توفير السيولة التي تتطلبها أسواقها.
يضاف إلى ذلك، فإن التنوع في الإنتاج الذي اعتمدته المملكة منذ سنوات بات له دوره الاقتصادي المتين، خاصة وأن معظم المشروعات العملاقة التي تم تنفيذها لم تكن بموجب قروض مستقدمة لا من مؤسسات مالية وطنية ولا من مؤسسات مالية دولية كما هو حال بعض الدول الخليجية الأخرى. بل من موازنات الدولة وفق خطط مدروسة وممنهجة.
ولهذا، وفيما ذهبت الدراسات المختصة إلى حد التبشير بما ينتظر المجتمع الدولي من تضخم وركود وارتفاع كبير في نسبة البطالة، وإفلاس لمئات أو آلاف الشركات الضخمة، فقد كانت التوقعات معاكسة فيما يخص السعودية، حيث ينتظر صندوق النقد الدولي ووزارة الاقتصاد والتخطيط السعودية أن يستمر الاقتصاد السعودي في تحقيق معدلات نمو إيجابية، خاصة وأن الاقتصاد السعودي سجل نموًا يبلغ 5% سنويًا في المتوسط في السنوات من 2003 إلى 2007.
كما أن الأزمة المالية العالمية أثرت إيجابًا أيضًا على فوائد المصارف، حيث عمدت مؤسسة النقد السعودي إلى تخفيض الفائدة بمعدل نصف نقطة فكان من جراء ذلك حماية القروض والودائع وعدم إحداث خلل بمستويات السيولة المتوافرة في الأسواق.
وبحسب دراسات أعدتها وزارة الاقتصاد والتخطيط، فإن المملكة ستستفيد من هذه الأزمة من خلال انخفاض معدلات نمو الأسعار العالمية المتوقع للمواد الغذائية ومواد البناء وغيرها من السلع الاستهلاكية ومدخلات الإنتاج، مما سيساعد في خفض معدلات التضخم.
هذا الواقع أشاع الكثير من الاطمئنان في كافة أوساط القطاعات الاقتصادية دون أن ننفي وجود خسائر مُنيّ بها بعض رجال الأعمال أسوة بما حصل لنظرائهم في كافة بقاع العالم.
السعودية وحدود التماس مع الأسواق المالية العالمية
تاريخ النشر: 20 أبريل 2014 01:58 KSA
المضاربات، والسعي وراء الكسب السريع، وتضخيم الموازنات، والتعاملات الوهمية في البورصات العالمية لم تكن الأسباب الوحيدة التي تكمن وراء حصول الأزمة المصرفية الدولية التي ضربت بشكل أساسي أسواق المال الأمر
A A