Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

إلى أين العرب ذاهبون؟!

هذه الحرائق المشتعلة حوالينا، في العالم العربي، والدماء التي تسيل في كل ثانية من نهار وليل، ما المشترك فيما بينها؟

A A
هذه الحرائق المشتعلة حوالينا، في العالم العربي، والدماء التي تسيل في كل ثانية من نهار وليل، ما المشترك فيما بينها؟ الشيء المشترك هو شعارات تدّعي أنها تستهدف الوصول إلى نموذج حكم جديد تتوفر فيه العدالة عبر أنظمة ديمقراطية في ظل حرية كاملة للإنسان العربي. ومن الملاحظ أن اليسار العربي يلتقي مع الإسلام السياسي في رفع هذه الشعارات بحجة أن الثمن الذي يدفعه المواطن من دمه واستقراره وأمنه مقبول للوصول إلى الهدف الذي ترتفع شعاراتهم مطالبة بالوصول إليه.. فهل هذه الشعارات صادقة؟!
مَن يرفعون الشعارات، والغالبية منهم مرتزقة، يخفون نواياهم الحقيقية. إذ إنهم جميعًا يستهدفون الوصول إلى السلطة على جثث الملايين من المواطنين العرب، وفي نفس الوقت يحرصون على عدم تحديد ما الديمقراطية التي يسعون لتحقيقها، وما الحرية التي ينادون بها. فالديمقراطية ثقافة شعبية لا يمكن أن تتوفر عبر ذبح المواطن العربي، وتهجيره، وقصف أماكن سكناه، وإدخاله في ظلمة الإرهاب، والتجربة التي فرضها الأمريكيون على العراق أكبر مثال على ذلك، حيث يقتل العشرات من المواطنين العراقيين يوميًّا عبر التفجيرات بدون أي ذنب جنوه سوى رغبة المحتل الأمريكي (سابقًا)، والمهيمن الإيراني (حاليًّا) تحقيق مصالحهم الذاتية.
وهناك نماذج عديدة للديمقراطية، وهي قضية يركز عليها الأمريكيون، والأوروبيون لتطبيقها في عالمنا العربي، ومنها النموذج الأمريكي الرئاسي، والنموذج البريطاني الملكي الدستوري (علمًا بأنه لا يوجد دستور مكتوب في بريطانيا، وإنّما أعراف وتقاليد تعتمد كنظام دستوري)، كما أن هناك النموذج الصيني في ظل الحزب الواحد (الشيوعي)، والنموذج الروسي برئيس يملك صلاحيات واسعة، وهو نموذج يبدو أن رجب طيب أردوغان الزعيم التركي، يسعى للوصول إليه. بينما ثبت من التجربة العراقية أنه لا يمكن تعليب الديمقراطية كنظام حكم، واستيرادها إلى أي بلد ما لم تكن هناك ثقافة شعبية، ومؤسسات دولة تحمي هذا النظام وتضمن له الأمن والاستقرار.
الدماء البريئة في كل مناطق (الربيع العربي) تسيل لصالح فئات تحارب بعضها البعض بوحشية للوصول إلى سدّة الحكم، وليس لتحقيق طموحات المواطن المغلوب على أمره، وطالما أنه لا توجد قناعة شعبية واسعة بنوع النظام المطلوب قيامه على أنقاض الأنظمة التي جرى ويجري القضاء عليها، فإن الثمن العالي الذي يدفعه المواطن العربي لن يؤدّي إلّا إلى مزيد من البؤس والحرمان. وبينما ينشط الإسلام السياسي بمختلف مسمياته إلى البطش بشكل دموي مقيت بالإنسان العربي، مستهدفًا إقامة دولة العدالة حسب مفهوم يختلف عليه حتى هؤلاء فيما بينهم، فإن اليسار العربي يسعى من على مقاعده الوثيرة التبرير لما ينادي به الأمريكيون والأوروبيون من ديمقراطية غير واضحة المعالم.
والخطير في الأمر أن الحرية التي يطالب الغرب بتحقيقها تتضمن أمورًا لا يمكن للإنسان العربي تقبّلها، ومنها حرية زواج المثليين، والتي أخذ النشطاء في أمريكا وأوروبا يفرضونها على مجتمعاتهم، ودفعوا بابا الفاتيكان إلى القبول بالمثليين كقساوسة رسميين للكنيسة الكاثوليكية في مختلف أنحاء العالم. ويذكرني هذا الأمر بما تعرضت له عائلة سعودية قبل فترة، حيث نزلت عندها ضيفة شابة أمريكية ضمن برنامج زيارات متبادلة لطالبات الجامعات، وفوجئت بالضيفة تبلغ ابنة العائلة بأن لا أب لها، لأن أمها متزوجة بامرأة أخرى، وولادتها كانت عبر برنامج أطفال الأنابيب الذي اتفقت الأم مع زوجها "المرأة" على إنجاب طفل لهما عبره. وبالطبع لن يتقبل المجتمع العربي أكان في مصر، أو السعودية، أو العراق، أو غيرهم مثل هذه الحرية المطلقة.
ما يجري في العالم العربي لن يؤدّي إلى ديمقراطية من أي نوع، ولا إلى حرية يفخر بها العرب، وإنما إلى فوضى وتمزيق لأجزاء الأوطان -التي بعضها مجزّأ فعلاً- ودكتاتورية حتمية.. وما لم يراجع المثقفون وأصحاب الرأي موقفهم الصامت، ويتصدّون للذي يجري، فإن الفوضى والدماء ستتواصل مسيرتها لتدمير ما هو قائم من الكيان العربي، ولكم في العراق وليبيا نموذجان (من نماذج) لما أنتم متجهون إليه.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store