Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

خرائط التقسيم .. هل تتحقق ؟

التقسيم ، أي تقسيم المنطقة ، ليس قدراً لا مفر منه .

A A
التقسيم ، أي تقسيم المنطقة ، ليس قدراً لا مفر منه . إنما فرضيات وتصورات مبنية على مصالح أجنبية وواقع تغلب عليه الإقصائية في تصرفات الجماعات في منطقتنا ، تجاه بعضها البعض ، وغلبة التطرف المذهبي في كل جانب . وتواجه بعض بلداننا الآن أحداثاً تجرنا بقوة نحو التقسيم الطائفي والمذهبي وتتكرر هذه الأحداث في أكثر من بلد عربي وغير عربي ( باكستان وحربها المذهبية مثلاً ) ، وهذا حال لا يستطيع معه المعتدلون ممن يهمهم استقرار أوطاننا العمل بسهولة ، حيث تسيل دماء وتلتهب المشاعر ويتم إستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض المذهبي ، وتقف دولة إيران المذهبية مع التطرف المذهبي الذي يمثله رجال الحكم فيها ، اعتقاداً منها بأن الأحداث تصب بنهاية الأمر في مصلحتها .. وهو تفكير خاطىء وقاصر حيث أن ما يصيب المنطقة من تفكك وحروب طائفية ومذهبية لن تنجو منه إيران نفسها متى انتشر لهيب الطائفية وتمزقت الأوطان الحالية.
في أمريكا تصنع السياسة الخارجية عبر مراحل متعددة من الأفكار والتصورات والتحليلات في مراكز أبحاث وجامعات ومؤسسات خاصة تعمل لصالح مؤسسات حكوميه كالبنتاجون ( وزارة الدفاع ) وأعضاء الكونجرس وتتعرض كل هذه للنقاش والتحليل على نطاق واسع وفي العلن . وإذا تمكنت مجموعة من هؤلاء الوصول إلى مراكز صناعة القرار فإنهم يحاولون تطبيق أفكارهم .
ومن أبرز من نادى بتقسيم العراق ووصل إلى مركز هام في الحكومة نائب الرئيس الأمريكي الحالي ، جو بيدن الذي طالب حكومته ، عندما كان عضواً في الكونجرس خلال عهد جورج بوش الابن ، بتقسيم العراق إلى دويلات شيعية وسنية وكردية ، ولم تلتفت إليه في حينها إدارة جورج بوش الابن، إلا أن آخرين انطلقوا في رسم خرائط لشرق أوسط جديد يقولون إنه يحل محل التقسيم ( إنما على مساحة أوسع من الشرق الأوسط يشمل العرب وبعض العجم ) الذي قام به كل من ( السير) مارك سايكس البريطاني وفرانسوا جورج – بيكو الفرنسي من رسم حدود للأراضي التي استولوا عليها في المنطقة بعد هزيمة الدولة العثمانية ( تركيا ) قبل حوالي مائة سنة .
ولا توجد خارطة أمريكية واحدة للحدود المتوقع خروج الشرق الأوســــط الجديد بها ، بل هناك عدة خرائط ، ففي عام 2006 رسم رالف بيتر ، وهو ضابط استخبارات متقاعد ، خارطة نشرتها مجلة القوات المسلحة الأمريكية ، يظهر فيها اليمن موحداً وتبرز دولة ( بلوشستان الحرة ) على مساحة تمتد على أجزاء من باكستان وأفغانستان وإيران ، ودولة شيعية عربية في الجزء الجنوبي من العراق ولها ذراعان يحيطان بالجزء العلوي من الخليج يمتد احدهما داخل إيران حتى يكاد يصل إلى بندر عباس ويتجاوز الآخر الكويت ولكن يمتد إلى قطر . أما الدولة الكردية فإنها تشمل ديار بكر بتركيا وتحاذي أذربيجان وأرمينيا وتقتطع جزءاً من إيران كذلك .
بعد ذلك بسنتين رســـم جيفري جولدبرج ، خارطة في مقال طويل نشرته مجلة ( آتلانتيك ) اقتطعت مساحات من باكستان وأفغانستان وإيران وتركيا ودول غير عربية أخرى لصالح كيانات جديدة وجرى تقسيم دول عربية بما فيها الصومال وظهرت دولة علوية وأمارة غزة الإسلامية ، وتوقع جولدبرج أن يتم امتصاص لبنان ضمن سوريا جـديـدة .. إلا أن اللافت في مقاله وخريطته أنه تنبأ بنهاية إسرائيل كدولة يهودية .
وفي العام الماضي نشر روبين رايت مقالاً له في النيويورك تايمز ( عدد 28 سبتمبر 2013 ) أرفق به خارطة للشرق الأوسط الجديد ، وفيه ركز على العالم العربي ، وامتدت خارطته إلى ليبيا بتقسيمها إلى ثلاث دويلات وتوقع أن تظهر مدن كدول مستقلة مثل بغداد ، ومصراته في ليبيا ، وجبل الدروز جنوب سوريا ، كما ظهر اليمن مقسماً إلى دولتين :اليمن الشمالي واليمن الجنوبي .
توقعات التقسيم التي ظهرت في الخرائط المنشورة يمكن أن يحدث معظمها ، فالأحداث تسير بنا في هذا الاتجاه ، فهناك عواقب للاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان ، وهناك صراع دولي للهيمنة على المنطقة ، بما فيها دول الإتحاد السوفيتي الإسلامية السابقة حيث تتواجد كميات كبيرة من البترول والغاز . ومن الناحية النظرية يمكن للعرب أن يحدوا من الانهيار المتوقع للدولة العربية ، أما إذا تعاون الإيرانيون في هذا السبيل فإنه بالإمكان حماية المنطقة من الانهيار الكبير ، إلا أن السعي لتدعيم الأوضاع القائمة الحالية يتطلب رؤية واضحة وصريحة لما يجب أن يتم ، ويتطلب أيضاً قيادات واعية وقادرة على رسم سياسات تسعى لتحقيق المطلوب لحماية المنطقة ، ولا يبدو أن هناك بشائر لأي من هذه التصورات ، بينما تتسارع الأحداث بشكل مخيف باتجاه انهيار بعض البلدان العربية مثل العراق وسوريا وليبيا .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store