ما من شك بأن الأمة العربية تعيش في هذه المرحلة أزمة تحديات جسيمة، وأن الخروج من أسْر تلك التحديات يحتاج لإعادة النظر في حسابات طال عليها الأمد وهي جامدة في قوالب لم تعد قادرة على التجاوب لمتطلبات العصر. وبما أن التجربة الإنسانية حق مشاع للجميع، فإن الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى -التي عاشت ظروف مماثلة لما تتعرض له الأمة الإسلامية جمعاء والأمة العربية على وجه الخصوص- واجبة على الجميع.
ظاهرة العنف والتطرف التي تجتاح الساحة مطالبة بالتغيير وضعت الكل في مأزق والخروج من ذلك المأزق يحتاج لتوظيف الإمكانات لإبراز حلول تطفئ نار الغضب، وتسحب الفتيل من ذخائر تلك الفئات المتطرفة، وتعيد الحوار إلى طاولة العقلانية والتفاهم.
إن الفقر والبطالة وغلاء الأسعار وعدم وجود السكن المناسب في مناطق كثيرة من العالم العربي كلها مسببات تناشد حلولًا عاجلة لا تنتظر التأجيل، والإدارة التي تدرك أهمية ذلك تستطيع عبور الجسر بأقل قدر من التضحيات.
مشاهد في غاية الأهمية بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، الأول في اليمن الذي أخذ العنف يُمزِّق كيان الدولة، ويُحوِّل المجتمع إلى حالة احتراب -الكل ضد الكل- اقتربت من حالة أن الغريم لا يعرف غريمه والهدف مجهول. واليمن -كما هو معلوم- إمكاناتها محدودة، وبها كتلة بشرية تزيد تعدادها على عدد سكان المجلس، وإذا وصلت الحالة الداخلية في اليمن إلى حد غير مقدور عليه من الناحية الأمنية، فمن المتوقع أن يتدفق اللاجئون بالملايين إلى الدول المجاورة، وتنقل الفوضى من داخل اليمن إلى دول الجوار -لا سمح الله- والتصدي لذلك التحدي يتطلب مساعدة اليمن بكل ما يمكن للخروج من أزمته الحالية.
في العراق، التمزق الطائفي والانتماءات الخارجية التي اتخذت من العراق مسرحًا لممارسة تحرّكاتها المشبوهة بهدف مد الهيمنة على دول المنطقة؛ أوصلت العراق إلى وضعه الحالي. ووحدة العراق جوهرية بالنسبة للعالم العربي، لأنها تُشكِّل حلقة أساسية في الاستراتيجية العربية بعيدة المدى، والإخلال بها يُعرِّض المنطقة لمزيد من التفكك، ويعطي الخصوم حجة بتمرير مخططاتهم.
الحالة السورية لها أبعاد إقليمية ودولية، وأصبح وضع المقاومة في موقف حرج، وهي بدورها تؤثر على أمن الأردن ولبنان، وتمتد الأخطار إلى دول مجلس التعاون الخليجي.
أجهزة الدولة المركزية في الحالات الثلاث -اليمن والعراق وسوريا- ضعفت للحد الذي لم تعد قادرة على توفير الحد الأدنى من الأمن الداخلي، ناهيك عن تمكّنها من حماية حدودها من الاختراقات الخارجية، ومن جراء ذلك فسح المجال للعناصر المتطرفة لنشر الفوضى بكل ما تعنيه من إخلال بالأمن.
كل ما تعيشه تلك الدول أشبع دراسة وتحليلًا، ولم تعد هناك أسرار تخفى على أحد، والدرس الأهم هو ماذا يحصل عندما تضعف أجهزة تلك الدول عن الحفاظ على الأمن الذي هو جوهر سيادتها؟!
والتحدي الحقيقي في هذه المرحلة هو الحرص والتأكيد على مقومات الوحدة الوطنية في دول مجلس التعاون، والوقوف صفًا واحدًا أمام أي تحدٍ خارجي، وعدم السماح لأي اختراق عبر الحدود من الدول المضطربة حتى لا تنتقل الفوضى إلى أي دولة من دول المجلس، وبالتالي تتعرض منجزاتها للخطر لا سمح الله.
والمؤكد أن الوحدة الوطنية في المملكة هي الرهان الحصين، ومن أرادها بسوء فلا مكان له في النسيج الاجتماعي الآمن الذي تنعم به بلاد الحرمين الشريفين.
حفظ الله الوطن والمواطن من كل سوء، وبلّغ الجميع الصيام والقيام، والعتق من النيران، وكل عام وأمة الإسلام بخير.