من خلال البحث في أصل كلمة ربا في اللغة الانجليزية واستخداماتها في العلوم الاجتماعية والاقتصادية خصوصا، يجد الباحث أن جذرها في الكلمة (يوشري) وهي بدورها منحوتة من الكلمة اللاتينية (يوسس) التي تعني الاستخدام أو الاستعمال لغرض ما بمقابل يعود على الدائن ومن ذلك يستنتج أن التسليف كان شائعاً وأنه يتم بمقابل كتعويض عن التكلفة ولهذا فكرة الفائدة ناتجة من هذه العملية أي استخدام المال مقابل أتعاب يؤكد ذلك كلمة (انتريسسي) اللاتينية وهي كلمة منقولة من مصطلحات القانون الروماني القديم وتعني رسوم التسليف لمقابلة خلل في شروط العقد أو الخسارة أو لم يف المقترض بسداد هذه الرسوم ومع الزمن صارت ضمن شروط العقد التي ينبغي على المقترض الوفاء بها هكذا أضحت الفائدة شرطاً من شروط العقود بين البائع والمشتري ثم صار عدم الوفاء يعني تلقائياً فرض هذه الغرامة أو الفائدة واكتسبت الفائدة وضعية العادة المتعارف عليها وصارت ضمن اعراف التعامل المصرفي لدرجة أنها تبدو في الاقتصاديات الغربية من بديهيات التعامل الربوي مع أنها بالمفهوم التاريخي لم تكن أرباحاً في أي حال وفي أي صورة من الصور.
لأنه منذ أيام الرومان مرورا بالعودة البابلية في العراق يبدو أن البشر توصلوا إلى استنتاج صحيح وهو أن المال في ذاته ليس له قيمة كامنة داخله بقدرما هو وحدة قياس للتبادل التجاري فالمال ليس من المواشي والأنعام أو الحبوب الزراعية التي يمكن زراعتها أو استهلاكها أو تنميتها لتعود عليك بالمزيد عبر توليد ذاتي فالمال أقرب إلى وحدة قياس حسابية وترتب على ذلك أنه أداة للتعامل المالي وليس سلعة والتحويل في طبيعة المال يجلب مضار اقتصادية وخاصة من جهة مفارقة العدالة في التعامل بين طرفين لأننا عندما نبيع شيئاً نبيع شيئاً مفيداً في ذاته فبيع بقرة يعني شراء شيء مفيد من حيث الحصول على الألبان واللحوم وغيرها من المشتقات ومثل ذلك في الفواكه والحبوب وزراعتها ولذلك قال الفيلسوف الشهير توماس أكوينيس بأن أخذ الربا من المال المستلف وبثمن يؤدي لعدم العدالة لأنه يعني بيع شيء لا يوجد ولا قيمة له من حيث هو مال وهو ما يقود للعدالة ومن هنا نفهم العبرة من تحريم الإسلام للربا ومن وقف التعامل الربوي بين الناس. لأن وضع قيمة لتسليف المال يعني ببساطة بيع شيء ليس موجودا ولذلك التحريم والتغليظ في النهي عن التعامل الربوي أعاذنا الله منه.
من خلال هذه السطور أراد كاتبها توضيح معجزات النصوص القرآنية وخاصة في تحريمها للربا وحلها للبيع وهو ما يستدعي فهم نصوص القرآن وفق رؤية معاصرة تستنبط أحكامها الاقتصادية بما يفيد العباد والاقتصاد لأن تحريم الربا من وجهة نظر اقتصادية إسلامية تأتي من أنه يقف خلف كل خلل اقتصادي كما أن الخلل الذي يحدثه الربا تصعب معالجته بصورة مستدامة إذ أن كل علاج يظل مؤقتاً وطارئاً وهو يأتي بالتدخل بسياسات مالية أو نقدية ولهذا تشير الآية الكريمة: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) وحسبك من بلاغة في الوصف المعجز، وأما البيع الذي أحله الله وشجعنا عليه، فلأنه يعالج كل خلل اقتصادي مثلما يمنع عدم العدل الاجتماعي لأن البيع بديل لسعر الفائدة الربوية فالبيع يزيد من اتساع التعامل التجاري في الاقتصاد مما ينشيء العرض ويفرض الطلب بصورة تلقائية من خلال حركته الاقتصادية وهي أيضا توسع في المحصلة من حجم الطبقة الوسطى ومن ثراء المجتمع ككل وهو ما يؤدي للحد من البطالة وتحسن من مستوى التنافسية وعدالة الأسعار وبالتالي زيادة الأجور وتحقيق حياة لائقة وكريمة للفرد. هذه الآلية الاسلامية لا تنتقد الربا فقط بل تؤسس لملامح نظام اقتصادي مستدام يعالج المآسي الإنسانية التي تتعقد بفعل الربا وفوائده ومؤسساته وسياساته الرسمية التي لا تجد حلولاً دائمة إلا بالتدخل لتؤثر على الطلب أو على أسعار الفائدة. لدينا الحلول الاقتصادية ولكننا نحتاج للثقة في أنفسنا وللتأمل فيها.
الفرق بين البيع والربا
تاريخ النشر: 07 يوليو 2014 03:09 KSA
من خلال البحث في أصل كلمة ربا في اللغة الانجليزية واستخداماتها في العلوم الاجتماعية والاقتصادية خصوصا، يجد الباحث أن جذرها في الكلمة (يوشري) وهي بدورها منحوتة من الكلمة اللاتينية (يوسس) التي تعني الاس
A A