رحمك الله يا أبا منذر

للعلماء دور بارز في الأثر المعرفي وسبر أغوار التاريخ والكتابة في مواضيع تهم الكثيرين من البشر، وترتقي بالعلم وطلابه وتحسّن من ثقافة البيئة المجتمعية وتخرجها من مجاهل الظلمات إلى النور، ولذلك قال المصطفى صلى الله عليه وسلم – إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما ولكن ورثوا العلم، فمن أخذه أخذه بحظ وافر" وقال الله تعالى في كتابه العزيز " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" .
وهذا أخونا وصديقنا العزيز الأستاذ الدكتور / سليمان الرحيلي أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة طيبة الطيبة الذي وافاه الأجل المحتوم في يوم الأربعاء 4 رمضان 1435هـ فسار إلى رحمة الله بعد أن ترك لنا ارثاً تاريخياً عظيماً عن طيبة الطيبة وعن غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم – وعن المواقع والآثار وكل ما له علاقة بتاريخ هذه البقعة المباركة الطيبة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم، فجزاه الله عنا خير الجزاء وأسكنه فسيح جناته، وحشره برفقة الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
لقد شاركت أخي سليمان – رحمه الله – في عدة رحلات ميدانية ولقاءات علمية ومؤتمرات تتعلق بالمدينة المنورة على صاحبها الصلاة والسلام وفي كثير من المواضع والمواقع ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الرحلة التوثيقية لهجرة المصطفى – صلى الله عليه وسلم – من مكة المكرمة حتى المدينة المنورة ( طريق الهجرة)، وقد نتج عن تلك الرحلة عمل خرائط توثيقية لطريق الهجرة مبيناً عليها خط سيره، والطرق الوعرة التي مر بها، والمشاق العظيمة التي تكبدها سيد الأولين والآخرين، وطول المسافة التي قطعها من مكة حتى المدينة المنورة، مع توثيق جميع الأماكن والنقاط المشهورة التي مر بها أو توقف عندها الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - وكانت الرحلة بإشراف مركز دراسات وبحوث المدينة المنورة، وشارك فيها أكثر من عشرة باحثين وعلماء في مختلف التخصصات وكان الدكتور سليمان من أبرز النشطاء في تلك الرحلة التي أخذت يوماً كاملاً.
شاركت فقيدنا الغالي في عدة رحلات ميدانية أخرى ومنها: خط سير المصطفى - صلى الله عليه وسلم - نحو غزوة بدر منذ خروجه من المدينة حتى وصوله لمدينة بدر حيث موقعة بدر الكبرى المشهورة، والتي أعز الله فيها الإسلام، كما شاركته في اللقاء العلمي لغزوة الأحزاب وتدوين رحلاتها المتعددة التي تمت على هامش ذلك اللقاء، وكان لنا اجتماع بالمرحوم (إن شاء الله) في اللقاء العلمي الذي أقامته جامعة طيبة حيث كان عميدا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية فيها، وكان خلال ذلك اللقاء شعلة من النشاط والحركة مرحباً بالضيوف والباحثين القادمين من داخل المملكة وخارجها، كما شاركته في اجتماعات المجلس البلدي بالمدينة المنورة والذي كان عضواً فيه وقضينا يومين في دراسة مجاري السيول ومخاطرها ووضع حلول عاجلة لتجنب تأثيراتها على مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
إلى جنة الخلد يا أبا منذر فلقد عرفناك عالماً فذا، ورجلاً متواضعاً، وباحثا مميزا، وأستاذا بارعا في تخصصه الذي استفدنا منه الشيء الكثير ، محبا لطيبة الطيبة مثوى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وترابها الطاهر ولكل حجر ومدر فيها، فعليك رحمة من الله، وأسكنك الله فسيح جناته، وحشرك في زمرة النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم – والآل والصحب الكرام. اللهم ألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان " إنا لله وإنا إليه راجعون".