كثيراً ما يثار غبار حول أنصبة ميراث الذكر والأنثى التي تمنح نصف نصيب الذكر بالرغم من أن ذلك ليس قاعدة ثابتة وحكماً لا يتغير في كل الحالات إذ هناك حالات يكون نصيب الأنثى أعلى من الذكر وفي بعض الحالات يتساوى الذكر بالأنثى في القسمة ولكن عدم الاستيعاب لهذه الأحكام يقود لاستنتاجات مستعجلة ولكي نستوعب الأمر بصورة شمولية نحتاج للتفريق بين مصطلحات التعامل المالي الشائعة التداول كالنفقة والإرث والعطية وغيرها كما يستلزم التأمل في الحكمة الإلهية منها وصلتها بأحكام ومقاصد بعينها وخاصة تلك التي تتعلق بالتنمية الاقتصادية الاجتماعية ومقاصدها الكلية وخاصة فيما يتعلق بتعميم العدل بين الأبناء والبنات على أنه يجب أن نتذكر أن الهدف الأسمى هو إعمار الأرض وتحقيق مفهوم "الاستخلاف" عليها.
لاعجب كل تشريع إلهي وفر للإنسان أحكاماً واضحة وصالحة لكل زمان ومكان ووفر درجة من التدرج الذي يتراوح بين الاباحة والالزام. وغني عن القول أن التفضيل في الإرث له أحكام قطعية تمنح الذكر مثل حظ الانثيين وهو ما يجعل أن لا اجتهاد مع نص واضح ومحكم إلا أن بعض الفقهاء استصحب أحكام الميراث قياسا وبناء عليه رأى أن من العدل بين الأبناء والبنات أن يمنحوا في العطية ما يمنحه الإرث للابن أي له مثل حظ الانثيين وخاصة في النفقة وإن اختلف الفقهاء تظل هناك درجة من الحرية نحو منحها لأبنائنا وبناتنا وزوجاتنا الفقراء وفي ذلك تفصيل لا يسعه المكان.
نحاول إثارة التفكير وإعمال التأمل في الحكمة من التشريع الإلهي وعدم القفز لاستنتاجات مستعجلة في تعاملات أراد بها الله الخير للإنسان، والحال كذلك يستلزم أن نسلم بأن القرآن معجز فهماً ومعجز في وسائله لبلوغ التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولكن نصوص التعاملات المالية منحازة للعدل ورفض الاستغلال ومن هنا تحريم الربا وفكرة أن الإنسان مستخلف في مال الله ويجب أن لا ينحرف بوظيفة المال بكنزه فإن فعل سيعاقب ،إن التأمل في دلالات التعابير كالانفاق والإرث والعطية والصدقة والزكاة والبيع والشراء يقود لاستيعاب وظيفة إعمار الأرض وتسريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يجعل أفراد المجتمع في أوضاع اقتصادية أقرب إلى العدل في الدخل والعيش اللائق الكريم. وما يثار من شبهات سيستمر ولن أضيف جديداً إذا كررت ما قيل من دفاع فقهي ولكني أشير إلى أن التشكيك فيما شرع الله يطعن في صحة العقل والإيمان والفهم الصحيح، ولهذا مثيرو الشبهات يغفلون الأبعاد التنموية الاقتصادية والاجتماعية في معادلة قسمة التركات لأنهم لا يغوصون عميقا فيما يتعلق بتلك الأبعاد وبضمانات حقوق الورثة من الأيتام والصغار وحقوق الإناث وحق القاصر والقاصرة. إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح والأمر كذلك بعض الناس يطلب مساواة بين الذكر والانثى في غير مظانها ويغيبون أبعاداً تكوينية وبيولوجية ونفسية بين الذكر والانثى. إن الحكمة من التشريع الإلهي إقامة العدل وتعميم الخير، ومن ناحية أخرى فإن التباين في تقسيم الإرث لا ينطبق على القسمة في الأعطية أو الهبة أو الصدقة أو توزيع الزكاة فقد يفضل الأب الانثى على الذكر ومتاح له ذلك لأن القسمة بهذا الفهم تستهدف الحد من أن يكون المال في يد واحدة تحتكره وتكتنزه مما يخلق تبايناً طبقياً ينعكس عدم توازن اجتماعي ولهذا وجوب الإنفاق حسب الحاجة الحقيقية . وإن الاختلاف في نصيب الذكر عن الانثى يستند لوقائع فحركة الذكر ومعدل سعيه وانفاقه يعتبر الأكثر وهو الأكثر سفراً ومغامرة من الأنثى وفي المقابل من طبيعة الانثى الميل (للبيوتية) بما يقيد حركتها في السعي والكسب وأحيانا تختار الانثى وظائف تقوم بها حصرا مما يعني إقرارا بأن حركتها أقرب للمحدوديه منها إلى حركة الذكر وبقدر الحركة والسعي تكون التدفقات المالية ومعلوم أن حركه الذكر تكاد تكون ضعف حركة الأنثى وبالتالي دخله وحجم إنفاقه وحجم تأثيره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحمله عبء من حوله من أسرته الممتدة وعشيرته الأقربين ولهذا يرتبط الإرث بجهد الفرد وبحثه عن الرزق وباستثمار مافي يده لنفع غيره فالحكمة الإلهية تصبح أكثر وضوحاً في سبب التفضيل لأن انفاق الذكر يكاد يكون ضعف الانثى ولأنه في حالات متعددة تظل الأنثى متلقية للعطية وللانفاق سواء من زوج أو أب مما قد يشكل فوائض (سالبة) تنعكس كنزاً محرما للمال ومراكمة للثروات في يد واحدة تكون خصماً على الهدف الاسلامي من التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولهذا استصحاب هذه المعاني قد يقود لقراءة صحيحة وفهم أصح للأبعاد التنموية والاقتصادية لتفضيل الذكر على الأنثى والرجل ملزم بالإنفاق على من يعول دون أن ينسحب ذلك على
المرأة ولو كانت غنية ،لهذا الشرع لصالحنا وإن احتجنا لفهم ولمعرفة لماذا فضل الله الذكر على الانثى في الميراث.
بين النفقة والإرث
تاريخ النشر: 28 يوليو 2014 04:27 KSA
كثيراً ما يثار غبار حول أنصبة ميراث الذكر والأنثى التي تمنح نصف نصيب الذكر بالرغم من أن ذلك ليس قاعدة ثابتة وحكماً لا يتغير في كل الحالات إذ هناك حالات يكون نصيب الأنثى أعلى من الذكر وفي بعض الحالات ي
A A