مصر في مواجهة تحدي التسعين مليوناً

قضيت مع العائلة حوالي ثمانية أيام في القاهرة ، كان الجو حاراً ، ولكنه أقل حدة ورطوبة مما هو عليه الحال في جدة ، ووجدت العاصمة المصرية تعج بالسياح الخليجيين شباباً وعائلات ، وقيل لي أن المدن السياحية بمصر كلها تشهد إقبالاً سياحياً كبيراً . إلا أني لم أنزل في فندق بل في شقة لنا في منطقة المهندسين بالقاهرة . وعانيت فيها من انقطاع متكرر للكهرباء ، وربما كان من حسن الحظ أن كهرباء المصاعد مربوطة بحارة غير الحارة التي تقع فيها العمارة ، وغالباً كنت أجد المصاعد تعمل حتى عندما تكون العمارة غارقة في الظلام. إلا أن انقطاع الكهرباء يسبب مصاعب للكثيرين ، وهو يتكرر أكثر من خمس مرات في اليوم ، وتستمر فترة الانقطاع ما لايقل عن ساعة. وتصيب فترات انقطاع الكهرباء العجلة الاقتصادية في البلاد بالشلل ، إذ تتوقف المصانع والمكاتب والمحلات التجارية إلى جانب احتمالات فساد المواد الغذائية المحفوظة في الثلاجات . وحتى الآن يتحمل المواطنون هذا الوضع بإطلاق النكتة ، وامتلات مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات ساخرة مثل : « دخلت الكهرباء مصر سنة 1893 وخرجت من مصر سنة 2014» و» الحمد لله أمبارح النورجه شوفت أمي وسلمت عليها كانت واحشاني أوي « . و « دا مش تخفيف أحمال .. دا تخفيف ذنوب «. .. وبالفعل إذا لم يتم حل انقطاع الكهرباء المتكرر والطويل فإن النقمة الشعبية ستتصاعد إلى حد خطير . ويواجه النظام الجديد عدة تحديات .. إلا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي واجــه التحـدي الأكبر بشجاعة وحنكة في الايام الأولى من عهده وهو رفع الدعـــم عــن الوقـــود ، إذ استغل الشعبية التي يتمتع بها وراهن على أن ردود الأفعال ستكون محدودة وقام برفـــــع دعـــــم جزئي عن الوقود والطاقة والكهرباء ضمن سياسة اقتصادية تهدف إلى خفض العجز في ميزانية الدولة ، وشملت إصلاح الهيكل الضريبي وإقرار ضرائب تصاعدية وتوسيــع القاعـــــــدة الضريبية .. وتقبل المواطنون السياسات الجديدة ، أملاً في تحسين الوضع الاقتصادي المصري ، وتحسين الوضـع المعيشي للمواطن الذي يواجه أسعاراً مرتفعة للغذاء والمواصــــــلات وغيرها نتيجة لرفــــــع الدعم وعلى أمل توفير المزيد مــــــن الوظائف للشباب المصريين الذين تشير بعض التقديرات أن معدلات البطالة بينهـــم حوالي 25 بالمائة
.ولن يكون سهلاً مواجــــهـــــة التحديات العديدة والتــــي يزيدها صعوبة فشل الطبقة السياسية في خلق تكتلات سياسية قوية ، إذ يدور تساؤل حـــــــول نوعية المجلس النيابــي الذي اقترب موعد اختيار أعضائه عبر انتخابات عامة ، بسبب عــــــدم وجــــود قــــــــوى سياسية نشطة تحظى بقبول شعبي مما قد يؤدي إلى إختراق رأس المال والأفـــراد والعائلات الريــــفيـــــــة وجماعات الإسلام السياسي للقوائم الإنتخابية وسيطرتها على البرلمان الذي هو صاحب الحق في ترشيـــــــح رئيس الــــوزراء وتشكيل الحكومة القادمة ، وستكون لهذه الحكومة ، بناءً على الدستـــــــــور الجديد ، صلاحيات تفوق ما لدى رئيس الجمهورية . ودفـــــــــــــع هذا الوضع إلى أحاديث متداولة في المجالس الخاصـــة وعلى صفحات الصحف ، فيما إذا كان مـــــــــــن الأفضل تأجيل الانتخابات البرلمانية لـــسنـــــــة كاملة يــقــــوم خلالها الرئيس السيسي بتطبيق برنامجه السياسي ، بل وارتفعت بعض الأصوات المنادية أن يقوم السيسي بإصدار تشريعات بتعديل الدستور .. وهو أمر ليس من المتوقع أن يلقى ترحيباً من كثيرين .
عدد سكان مصر يكاد أن يبلغ تسعين مليوناً ، وحسب الإحصــــــاءات فإن المصريين أضافوا خلال الستة شهور الماضية ملــــيــــون مولـــود إلى قائمة السكان ، والتحدي الكبير هو توفير السكن والمأكل والرعاية الصحية والتعليم والوظيفة للأفــــــراد المتزايدة مـــــــن المصريين ، وتستهدف حزمة الإصلاحات الاقتصادية والمشاريع العملاقة التي أشرف الرئيس السيسي على إطلاقها تحقيق هذا الهدف ، وخلال أقل من عام حصلت مصر على مساعــدات خليجية بلغت ما يقرب من عشرين مليار دولار في شكل منح نقدية وودائــــــــع ومساعدات بترولية . إلا أن السيسي يستهدف الإعتماد على الدعم الداخلي في إطلاق عجلة الإصــــــلاح الاقتصادي وأنشأ صندوقاً أطلق عليه اسم ( تحيا مصر ) يستهدف جمع التبرعــــــــــــات من رجــــال الأعمال المصريين لإقامة مشاريع تستهدف تحسين مستوى الخدمات وتوفر أمـــــــوال للتعليم والصحة والمواصلات وغيرها . وواجه السيسي رجـــــــــال الأعمال في لقاء له معهم عندما شعر بعدم تجاوبهم بما يكفي لدعوته بالقول : « ألن تقفوا إلــى جانب مصر ؟ إياكم تتصوروا أنه سيكفيني خمسة عشر ولا عشرين ولا خمسين بليون جنيه .. مــن المفترض أن يكون لدينا بلايين كثيرة حتى نتمكن مـــن إقامة المشاريع للشباب «.. !!