Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

زبيدة.. عظمة امرأة في سقيا الحجاج

كان الماء في طرق الحج قديمًا أهم ما تحتاج إليه قوافل الحجيج، فهو أعز مفقود في الجزيرة العربية، فضلًا عن أن القوافل تحتاج إلى كميات كثيرة منه ليس لسقيا الحاج بحسب بل لسقيا الإبل التي كانت بالآلاف والوا

A A
كان الماء في طرق الحج قديمًا أهم ما تحتاج إليه قوافل الحجيج، فهو أعز مفقود في الجزيرة العربية، فضلًا عن أن القوافل تحتاج إلى كميات كثيرة منه ليس لسقيا الحاج بحسب بل لسقيا الإبل التي كانت بالآلاف والواحد منها يحتاج الى أضعاف ما يحتاجه الإنسان، ولذا سعى الأفراد إلى حفر الآبار، وكانت الطرق تتحول من مكان إلى آخر إذا حفر فاعل خير بئرًا لخدمة الحجاج، ولم أقرأ أن الدول على تتابعها عنيت بإيجاد مشروعات لتوفير الماء على طرق قوافل الحج، ومن هنا كانت زبيدة بنت جعفر بن المنصور العباسي أشهر من عرف في هذا المجال ليس بصفتها زوجة الخليفة هارون الرشيد بل بصفتها الشخصية.
زبيدة (ت216هـ) قال عنها المؤرخون "من فضليات النساء" اسمها أمة العزيز غير أن جدها المنصور كان يرقصها في طفولتها ويقول: يا زبيدة، أنت زبيدة فغلب ذلك على اسمها، ولا أعرف أشهر منها بهذا الاسم.
كانت زبيدة تعيش في قصر الرشيد الذي يقول للسحابة إذا مرت: أمطري حيث شئت فإن خراجك سيأتيني، وكانت بغداد في ذلك العهد عاصمة الدنيا في الحضارة والرفاهية، وبخاصة قصور الخلافة التي تعيش فيها زبيدة، ومع هذا أحست بعطش الحجاج، وعنيت بسقيا الحجاج، فجلبت الماء إلى مكة المكرمة من أقصى وادي نعمان ومدته في قنوات مخترقة الأودية والجبال حتى أوصلته إلى مكة، وجعلت منه مناهل في المشاعر المقدسة، وهو ما عرف بعين زبيدة، اشهر مشروع مياه عرفته مكة المكرمة.
والمشروع الآخر الذي اشهرت به زبيدة هو مشروع توفير الماء على طريق الحاج العراقي من بغداد إلى مكة بحفر الآبار وبناء الأحواض والبرك لحفظ مياه الأمطار، حتى قال ابن جبير في رحلته: "ولولا آثارها الكريمة في ذلك لما سلكت هذه الطريق" وقد عرف هذا العمل الإنساني بدرب زبيدة، وقد أوفاه حقه من الدراسة ورد الجميل لهذه السيدة الفاضلة د.سعد الراشد في كتابه "درب زبيدة" وهو دراسة تاريخية وحضارية أثرية تقع في 524 صفحة من الحجم الكبير.
ملكت زبيدة المال الكثير حتى قال عنها الحريري في إحدى مقاماته: "ولو حبتك شيرين بجمالها وزبيدة بمالها" ولم تنفق المال في الملذات ومظاهر التباهي بل وجهته إلى هذا العمل الخير، وهي لم تسبق بإجراء عين زبيدة إلى مكة إلا ما عمله مروان الأزرق في العين الزرقاء في المدينة المنورة، وهو عمل صغير إذا قيس بمشروع زبيدة، لقصر المسافة، وسهولة جغرافية الأرض، أما عين زبيدة فكانت بعيدة، ومرت جبالًا صخرية، وقالت لوكيلها: اعمل ولو كانت ضربة الفأس بدينار، ولذا لا غرابة إن قال عنها ابن تغري بردي: "أعظم نساء عصرها: دينًا، وأصلًا، وجمالًا، وصيانة، ومعروفًا".
ليس هذان المشروعان الوحيدين فزبيدة لها أعمال خيرية جليلة غير ذلك، ولكن هذين المشروعين قد خلداها، وما عند الله خير وأبقى، وهي مثال للمرأة العربية الكريمة التي عنيت بالمشروعات الخيرية بالرغم مما هي فيه من نعيم وجاه، ولك الروح الإنسانية والشعور بآلام الآخرين وحاجتهم هو ما كان يملأ قلب هذه الفاضلة التي تعالت على المظاهر والبهرجة إلى ما يسعد الإنسان، وهي أسوة حسنة، وقدوة لمن طلب العلا دنيا وآخرة، رحمها الله وأسكنها جنان الفردوس وسقاها من حوض الكوثر.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store