المتتبع للقضية التجارية الأطول عمرًا (حسب معلوماتي) في المملكة بين شركتين يشعر بالألم أن تنتهي علاقة شراكة من هذا النوع بين إحدى أكبر شركات النفط في العالم «أرامكو السعودية» مع شركة المصافي العربية السعودية «ساركو» وهي شركة مساهمة عامة كان يأمل مؤسسوها قبل أكثر من 55 عامًا أن يكون لها شأن في صناعة النفط والغاز وبناء مصافي البترول على الساحل الغربي من المملكة، إلا أن هذه الشراكة، التي أنشئت من أجلها شركة المصافي، والتي أنيط بها أن تمثل القطاع الخاص في المشاركة مع الدولة لإنشاء مصافي للبترول في الساحل الغربي من المملكة، والتي كانت تمثل الدولة في ذلك الحين (المؤسسة العامة للبترول والمعادن «بترومين») وبدأت بإنشاء أول مصفاة بترول يشارك فيها القطاع الخاص بنسبة 25% وهي مصفاة جدة للبترول، ولكن بعد اتمام إنشاء المصفاة وبدء تشغيلها بدأت تدب الخلافات والنزاعات في هذه الشراكة، حتى باشرت الجهات الحكومية المعنية بصناعة النفط بأن تأخذ زمام المبادرة في إنشاء بقية المصافي الأخرى في جدة وينبع ورابغ بمفردها دون الشريك المتضامن (المصافي).
ومنذ ذلك الحين عام 1959م باشرت الدوائر القضائية والتجارية في تداول القضية الشهيرة، والتي انتقل فيها الطرف (المدعى عليه) من بترومين إلى «سمارك» ومن ثم إلى أرامكو السعودية وظل المدعي (المصافي) صامدًا يبحث عن حلول وحقوق واستمرت مطالباته بين دهاليس المحاكم ومجالس القضاء يبحث حقوق الشراكة في إنشاء مصافي نفط بالمنطقة الغربية إلى حقوق مالية وأرباح لم تحصل عليها الشركة لسنوات.
هذه القضية التجارية الأشهر عاصرها مسؤولون في شركة المصافي وحاولوا طوال سنوات عدة في إقناع مسؤولي أرامكو السعودية والجهات القضائية بأن لهم حقوقا لم يعترف بها حتى العام 2007 عندما اقتربت نهاية عقد تأسيس شركة مصفاة جدة للبترول (التي تساهم فيها المصافي بنسبة 25%) وكأن أرامكو وجدت الفرصة للتخلص من (مستثمري القطاع الخاص الذين يشاركونها هذا الاستثمار) فطلبت عدم تمديد الشراكة وإلغاء الامتياز المشترك، ولم يكن أمام مسؤولي شركة المصافي في ضوء ذلك سوى البحث عن أقل الأضرار وهو أن يتوصلوا لاتفاق أن تحصل المصافي على مبلغ 120 مليون ريال لكي توافق على تصفية شركة مصفاة جدة للبترول وإلغاء الامتياز.
القضية لم تنته، بل إن الشركة واصلت لتطالب بحقوقها عن أرباح وأصول مالية تقول إنها تجاوزت 2.2 مليار ريال حصلت أخيرًا على حكم نهائي بمبلغ 137 مليون ريال.. ترى هل يكفي هذا التعويض عن صبر السنين التي تجاوزت الـ 50 لكي تنتظر البت فيها؟
هذه القضية بتفاصيلها وحيثياتها ومعاصروها، والذين جاهدوا فيها حتى فارقوا الحياة تحتاج إلى العمق في البحث والدراسة كونها في ظاهرها قضية تجارية، ولكنها في الواقع هي إقصاء لدور كان يمكن أن يلعبه القطاع الخاص بالنهوض والمساهمة في صناعة النفط السعودي، وإنشاء المصافي منذ الخمسينيات الميلادية، ولكن هذا الدور ألغي فجأة وظهر من جديد عندما تنبهت أرامكو إلى أهمية مشاركة القطاع الخاص في هذه الصناعة ولجأت إلى تحويل بعض المصافي، التي تملكها بالمشاركة مع شركات أجنبية إلى شركات مساهمة عامة (تحت سيطرتها إداريًا).
تلك القضية التي انتهت إلى التعويضات المالية، التي حصلت عليها المصافي ولكن في الحقيقة أنها انتهت إلى تحولات جوهرية لشركة مساهمة عامة من نشاط أساس إلى أن تبحث عن أنشطة واستثمارات أخرى يمكن أن تعود على المساهمين فيها بأرباح مجزية.
المصافي وأرامكو.. القضية الأطول عمرًا!
تاريخ النشر: 18 نوفمبر 2014 01:03 KSA
المتتبع للقضية التجارية الأطول عمرًا (حسب معلوماتي) في المملكة بين شركتين يشعر بالألم أن تنتهي علاقة شراكة من هذا النوع بين إحدى أكبر شركات النفط في العالم «أرامكو السعودية» مع شركة المصافي العربية
A A