ثبت بما لا يدع مجالًا للشك، أن تهميش بعض الحكومات لمناطق دون الأخرى، قصدًا أو بلا قصد، لا يُرضي أهالي تلك المناطق، ولو كانت أصقاعًا نائية، بل يُحبطهم أيّما إحباط، ويملأ نفوسهم باليأس، الذي تنتج عنه مظاهر العصيان، وما أكثر الشواهد على ذلك في عالمنا اليوم، حيث تُعلقُ كل تلك المظاهر على شماعة التهميش، ومن آثار هذه السياسة التي لم تكترث للعواقب الوخيمة، ولم تحسب حسابًا لخطورة النتائج المرعبة، تلك الصور القاتمة التي تشهدها شبه جزيرة سيناء من خلال الأحداث الإرهابية التي بلغت حد الخطورة، وأصبحت تُشكِّل في الآونة الأخيرة تهديدًا كبيرًا لمصر، حيثُ تم تهميش هذه المنطقة بعد أن تم تسليمها مع معاهدة كامب ديفيد من قِبَل حكومات الرئيس الأسبق حسني مبارك، فزرع في نفوس أهلها خيبة الأمل، وتكونت خلايا إرهابية تعزّزت في فترة حكم مرسي، فما بين عزل مرسي وتولي السيسي، فقدت مصر المئات من أبنائها منسوبي الشرطة والجيش، وما زالت قوائم الضحايا متواصلة، فكل تلك المآسي في شبه جزيرة سيناء والعريش ورفح، تنذر بخطرٍ داهم، حيث إن المنطقة أصبحت مأوى جاذبًا للإرهاب والتطرف، وفي ظل هذه الظروف الحرجة التي يبررها الواقع بالتهميش نتيجة السياسات القديمة والعقيمة، كان ميلاد الإسلام المتشدد في شبه جزيرة سيناء، فتكوّنت من فكر المتشددين المجموعات الإرهابية، التي تبنّت سلسلة التفجيرات المرعبة، واستهدفت في أوقاتٍ سابقة الفنادق السياحية في جنوب سيناء، ومن ذلك الحين أصبحت دائرة الإرهاب تتسع وبؤرة التطرف تكبر، حينما وقّعت الحكومة المصرية مع إسرائيل معاهدة سلام، نالت بها إسرائيل حق مراقبة جزيرة سيناء عسكريًا، مع تخفيف الوجود العسكري المصري، ومنذ توقيع تلك الاتفاقية رفعت الحكومة المصرية -آنذاك- يدها عن الاستثمارات في المنطقة، مما أثار حفيظة السكان، فبان عليهم الإحباط والغضب، الذي أشعرهم بأن الحكومة لا تنظر إليهم نظرتها للآخرين، فكسبت بذلك عداء بعضهم ارتفع على إثره ترمومتر الإحباط والتضجر، لتصل درجة الإرهاب والتطرف تعبيرًا عن ما يعتمل من مشاعر عدم الرضا لدى هذا البعض. وعليه فإن تفاقم خطر الإرهاب فاق كل تصور، فالطبيعة البشرية ترفض بفطرتها الضيم، ولا تقبل التفرقة، ومن الطبيعي أن يبحث الغاضبون عن سندٍ يدعم تمرّدهم، ولا مانع أن يكون ذلك السند عدوًا للسلطة، وبهذا الفهم مدّت تلك الجماعات يدها لطائفة الإسلام المتشدد، والتزمت بأفكارها وانتهجت سلوكها الإرهابي، أما الآن فالسلطات المصرية تسعى بكل ما تملك للسيطرة على الموقف رغم علمها بوجود صعابٍ تعيق معالجاتها.
إن مشروع المنطقة العازلة لمدينة رفح المحاذية لغزة قد يكون فيه الخلاص، فقيام تلك المنطقة ربما يكون البديل الأفضل للسياسات القديمة العقيمة، التي ظلت تصُبُ أولًا وأخيرًا في مصلحة الجماعات الإسلامية المتطرفة كجماعة (أنصار بيت المقدس) التي انزوت في أماكن ليس من السهل الوصول إليها، وذلك بعد حملات الجيش المصري الموفّقة على الإرهاب، ورغم ذلك استمرت تلك الجماعة في ممارسة غيّها، كما درجت على إرسال الشرائط المسجلة توثيقًا لجرائمها البشعة، وهي تسعى من خلال مقاطع الفيديو التي تقشعرّ منها الأبدان لاستقطاب المزيد من الأنصار، وكان ينبغي أن تكون تلك الفيديوهات سببًا منفرًا من الجماعة وليس جاذبًا إليها، ولكن لله في خلقه شؤون، ففي هذه الدنيا من يستهويهم القتل والتدمير والتخريب، وهؤلاء مؤهلون للانضمام للتطرف نظرًا لجهلهم وضعف إيمانهم وبُعدهم عن أي وازعٍ ديني أو أخلاقي.
بالمنطقة العازلة تداوي سيناء جراحها
تاريخ النشر: 30 نوفمبر 2014 03:08 KSA
ثبت بما لا يدع مجالًا للشك، أن تهميش بعض الحكومات لمناطق دون الأخرى، قصدًا أو بلا قصد، لا يُرضي أهالي تلك المناطق، ولو كانت أصقاعًا نائية، بل يُحبطهم أيّما إحباط، ويملأ نفوسهم باليأس، الذي تنتج عنه مظ
A A