Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

أطفال فلسطين: أجسام أطفال وأفعال رجال

لقد بلغت الغطرسة الإسرائيلية مداها في ظل انشغال العرب بمواجهاتهم الطائفية، ولم يبق مواجهًا للعدو المحتل في فلسطين سوى من بارك الله فيهم من أهل فلسطين: رجالًا ونساء وأطفالًا، يواجهون قوة غاشمة تقتل، وت

A A
لقد بلغت الغطرسة الإسرائيلية مداها في ظل انشغال العرب بمواجهاتهم الطائفية، ولم يبق مواجهًا للعدو المحتل في فلسطين سوى من بارك الله فيهم من أهل فلسطين: رجالًا ونساء وأطفالًا، يواجهون قوة غاشمة تقتل، وتشرد، وتهدم، ولا تجد من يستنكر انتهاكاتها لحقوق الإنسان، ولكن الله بارك في سكان فلسطين كما بارك في أرضهم فبقوا القوة التي لم تلن ولم تستسلم لمن احتل الأرض ووصل قمة غطرسته حين دنس المسجد الأقصى تحت حراسة جيشه، ولم يتصد لذلك سوى أهل الأرض المباركة (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء (1).
بارك في الأرض وفي أهلها فبقيت القدس وأكناف القدس تقاوم المحتل وحدها في زمن التشرذم الطائفي وانحسار الموقف الموحد للعرب والمسلمين، ولم يبق إلا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه من أهل فلسطين لم تخدعهم دعايات الهرولة نحو السلام التي لم تقم لها إسرائيل أي قيمة خلال عشرين عامًا.
أقامت إسرائيل الجدار العازل، وبنت عشرات المستوطنات، وهدمت آلاف البيوت، ومنعت الصلاة في المسجد الأقصى، ولم يقف في وجه ذلك إلا رجال فلسطين ونساؤها وأطفالها، وتعنتت إسرائيل حتى وصل بها الحال إلى خنق الوزير زياد أبو عين رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وضربوه على صدره بأعقاب بنادقهم، وأطلقوا عليه ومن معه الغاز الخانق مما أدى إلى وفاته وهو لم يحمل سلاحًا بل حمل شجرة زيتون لغرسها بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لقد قام هؤلاء المقاومون بفرض الكفاية حين تقاعس الآخرون.
ونشرت الصحف يوم 18/2/1436هـ، 10 ديسمبر 2014م (وهو اليوم العالمي لحقوق الإنسان) صورًا لعدد من الأطفال الفلسطينيين خلال مواجهات لهم لقوات الاحتلال شمال القدس، وأحدهم قد طوقه جنديان بأيديهم وبنادقهم على جنوبهم، والآخر قد لوى الجندي يديه إلى الخلف وربطهما بالأغلال، ثم اقتادوهم وزملاء آخرين لهم (وهم منصرفون من مدارسهم) إلى معسكرات الجيش، والتهمة أن هؤلاء الأطفال ألقوا حجارة على حافلة، نعم حجارة وليست قذيفة، مع أن الجنود أيضًا أطلقوا القنابل الغازية السامة والأعيرة المعدنية المغلفة بالمطاط ولم يجد هؤلاء الأطفال سوى الحجر والزجاجات الفارغة لكنها أشد وقعًا على المحتل من القنابل، لأن قوتها في قوة الحق الوطني الذي حمله هؤلاء الأطفال بين جنباتهم، وقوة الحق قوة دامغة وإن لم تكن في قوة السلاح.
هؤلاء هم أطفال فلسطين: أجسام صغار لكن أعمالها أعمال رجال، كيف وهم قد ولدوا في أرض مباركة، ويدافعون عن أرض مباركة، ويقذفون بحجارة مباركة، ورضعوا من أثداء أمهاتهم حليبًا مباركًا سوف يسري في أجسامهم وأجسام الأجيال بعدهم سريان الحق مضيئًا في ليل بهيم.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store