السؤال مُوجَّه للعرب كافة، وليس للفلسطينيين وحدهم، والمقصود هنا ليس اليهود، ولكن دولة صهيونية يهودية مزعومة. في اعتقادي أن الجواب سيختلف من شخصٍ لآخر، لأن البعض -مع الأسف- لا يدرك ما هو المقصود من الإصرار على دولة يهودية.
الدولة اليهودية التي يصر عليها اليمين الصهيوني المتطرّف تعني أنها ستكون عنصرية بامتياز. وأن معاناة الشعب الفلسطيني، أو قُل المواطن العربي أينما كان، ستستمر، لأن التطرف الصهيوني لن يقف عند حد معين، فكلما أخذ، طالب بالمزيد، وهذا ما شهدته المفاوضات الماراثونية مع الفلسطينيين والعرب بصفةٍ عامة من بداية الصراع على فلسطين، في بداية القرن العشرين وحتى اللحظة الراهنة.
اليهود تعايشوا مع العرب -ولازالوا- في عدد من الدول العربية. فترة الأندلس المبهرة بتقدُّمها وثراها الفكري والمادي، كان هناك شبه شراكة بين كل الأديان في ظل حكم الإسلام السمح، الذي أتاح للجميع العمل، وفرص الإبداع والتفوّق، والمشاركة الفعّالة حتى تحرّكت المسيحية المتطرّفة وانقضّت على المسلمين.. بعد مكوث ثمانمئة سنة في الأندلس.. وبعد كل الإنجازات العظيمة التي تحققت خلال تلك الحقبة من الزمن.. وبعد أن بدأ العرب في التراجع.. وبعد أن تصاعدت حدّة الخلافات فيما بينهم، والتخلي عن مد يد العون لهم من عمقهم الإستراتيجي في إفريقيا وآسيا الصغرى والكبرى معًا.
وفي عام 1495م كان الحدث الأسود في تاريخ المسلمين وفتوحاتهم؛ التي أثرت كل الأمصار التي سيطروا عليها وأداروا شؤونها بحكمة وعدل ومساواة بين كل الأعراق والأجناس التي عاشت هناك.
والعرب -كما هو معلوم- أنقذوا اليهود ثلاث مرات، الأولى في فلسطين من براثن الصليبيين، والثانية في إسبانيا من التطهير العرقي على يد المسيحيين المتطرّفين، والثالثة من جحيم النازية في الحرب العالمية الثانية. وبعد ذالك أتوا ليردّوا الجميل بطرد الفلسطينيين من ديارهم، ونهب أموالهم الثابتة والمنقولة. وآخر ما استجد أنهم يريدون دولة يهودية صهيونية في قلب العالم العربي، والعرب منشغلون بتوزيع اللوم على بعضهم البعض.
هذه شواهد تاريخية لا أحد يستطيع إنكارها. ليست عويلاً على الماضي المفقود، ولا تباكي على سوء الحظ، ولكنها تذكير بما جناه العرب على أنفسهم منذ زمن طويل، عندما انشغلوا بتفاصيل هامشية، وتركوا الخصوم والأمم تُركِّز على صناعة المستقبل الذي تحمي به منجزاتها التاريخية.
موقف أوروبا وأمريكا معروف، لأنهم هم الذين أوجدوا الصهيونية العالمية، وحموها بكل ما لديهم من قوة، واليوم يُمهِّدون لها لتكون دولة يهودية على حساب الشعب الفلسطيني، وكأنهم يحاولون التكفير بالمقلوب عن قتل المسيح كما يدّعون.
والدولة اليهودية المزعومة تعني التخلص من كل ما هو عربي إسلامي مسيحي يعيش في الجزء المحتل من فلسطين. فاليهود يعيشون خوفًا مرعبًا من الديموغرافيا التي ستهزمهم -بإذن الله-.
لقد تورّط الفلسطينيون والعرب على حدٍّ سواء في سلسلة من التنازلات؛ سعيًا وراء سراب الحل السلمي، والتعايش مع الصهيونية، وكل الذي حصل كان قراءة خاطئة بامتياز. ورحم الله إدوارد سعيد المفكر الفلسطيني العملاق عندما هاجم كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة، ونادى بدولة تعددية ديمقراطية في فلسطين تضم الجميع "عرب ويهود". واليوم نشهد نتيجة تلك القراءات الخاطئة؛ الإصرار الصهيوني على دولة يهودية، وما يترتب عليها من تدمير وتطهير عرقي، ومد الهيمنة على المنطقة بقوة السلاح النووي الذي تتستر عليه أمريكا، وحلفائها الغربيين، والذي من المحتمل جدًّا أن يكون إحدى الأوراق الرابحة التي تلعب بها إيران لامتلاك السلاح النووي، وعندئذٍ تحصل النكبة الكبرى. إسرائيل وإيران، والعرب في الوسط يرفعون راية الاستسلام للأمر الواقع.
الدولة اليهودية على أرض فلسطين المحتلة يجب رفضها وبقوة من العرب والمسلمين، لأنها ستكون صهيونية عنصرية تُهدِّد كل دول المنطقة بدون استثناء. كما يجب أن تصل الرسالة إلى كل دول العالم بشكلٍ معلن وبدون تردد أو مجاملات.
هل يريد العرب دولة يهودية في فلسطين؟!
تاريخ النشر: 18 ديسمبر 2014 03:22 KSA
السؤال مُوجَّه للعرب كافة، وليس للفلسطينيين وحدهم، والمقصود هنا ليس اليهود، ولكن دولة صهيونية يهودية مزعومة.
A A