أحدث ظهور الدكتور أحمد الغامدي مع زوجته وهي كاشفة الوجه على شاشة التلفزيون الكثير من ردود الأفعال غير المُنضبطة شرعياً وأخلاقياً وحضارياً ؛ وهذا التجاذب غير الموضوعي يعكس أن المجتمع يعيش حالة من الارتباك الفكري الذي لا يؤمن بالحرية الشخصية وفق الثوابت التي حددها الشارع ، بل يجب أن تكون المسائل الخلافية أيضاً متصدرة الموقف ، فلا يؤمن الكثير – للأسف الشديد – بأن الاختلاف في نمط التفكير في حد ذاته ظاهرة إيجابية ، ولا تُسبب أي خطر يُداهم التركيبة الاجتماعية لأي تجمع بشري على الإطلاق ، ودوماً أُقول إن " الاختلاف هو الرحم الشرعي لتوليد الأفكار الإبداعية " ؛ لأن قناعتي المؤَّكدة تقودني إلى ضرورة توافر التباين لكي نخرج من القولبة التي أسست لها تربية أُحادية التوجه لا تؤمن إلا بمبدأ " إذا لم تكن معي فأنت ضدي " ، والارتهان للرسائل السلبية التي تتناقلها الألسن ويغيب عنها إعمال العقول ؛ مما وسَّع الهوُّة بين طرفي المعادلة ومارسوا جراءها دوراً يتنافى مع أخلاقيات الاختلاف ألا وهو " الإقصاء " الذي ساد كافة تفاعلاتنا ، وتحكَّم في جميع تعاطياتنا حتى وصل إلى التشكيك في النوايا في ممارسة تُخالف منهجية الدين الداعية إلى الحكم على السلوك لا على النوايا .
لذا فإن الهجوم الذي تعرَّض له الغامدي في كافة وسائل التواصل الاجتماعي يؤكد على أن القضية لا تعدو أن تكون صراعاً فكرياً تسعى جميع الأطراف لتسجيل موقفها الشخصي دون البحث الجاد في مُبررات ودوافع الرجل عندما أقدم على اتخاذ هذا الفعل الذاتي الذي يتناغم مع ثلاثة مذاهب من مذاهب أهل السنة والجماعة ، ولا يُمثل فتحاً جديداً أتى به ، وكأنه لم يكن مؤسساً منذ القدم ، ولكن حضور المبدأ الفرعوني الذي يتبناه البعض والمتمثل في " لا أُريكم إلا ما أرى " كان سبباً قوياً في التصدي لهذه الممارسة التي لا تتفق مع توجهاتهم ؛ الأمر الذي جعل الجميع يتندر ويسخر ويتهم ويدعو ، والمؤلم أن كثيراً من الممارسين لهذا الدور كانوا من المحسوبين على الوعي ، حيث سخَّروا صفحاتهم وحساباتهم على شبكات التواصل للنيل من الغامدي ، بل وصل الأمر إلى أن أصدر من أطلقوا على أنفسهم " أهل العلم " من أبناء قبيلته بياناً يشجبون ويستنكرون هذه الفعلة الشنعاء ، وتأسيساً على ما سبق فإن الخطوة الأولى التي يجب أن نؤمن بها هي وجود مثل هذه الأنماط الفكرية ، وعدم إغفال حِراكها مهما كان – سلبياً أو إيجابياً – وفتح قنوات تواصل ذات بُعد توفيقي وليس إقصائياً أو اندماجياً ، بقدر ما يكون هذا التلاقي قنطرة لإيجاد صيغة تحترم كل الأطروحات الفكرية وتقبلها كما هي لا كما تُريدها الفئة الأخرى ، وتعمل – جميعها – في خطوط متوازية لا تتقاطع لأي اعتبارات مهما كانت قوتها الجماهيرية ، أو توافر غطاء يدعم وجودها ، لكي نؤسس بناء على هذا الفَهْم منهجية التعددية والتنوع التي نؤمن بها قولاً ونرفضها ممارسة .
لقد فتح الغامدي الباب على مصراعيه أمام الكثير من الذين يؤمنون بما أقدم عليه الغامدي ، ولكنهم يخشون من أن يكونوا ضحية لفعلتهم في مجتمع يُقدِّم العادة على العبادة ، فالسؤال الأهم – هنا – لماذا هذه الازدواجية في التعاطي ؟ ولا تخفى الإجابة عن كل ذي لُب فالانهزامية الداخلية التي تتملكنا ونحاول أن نُخفيها هي البوابة التي أججت بروز التصنيفات بشكل غير ممنهج ، مما سبب هذا النزاع بين الأطراف المُشكِّلة لهذه المرجعيات الفكرية التي لم تجد من يحترم مبادئها ، ويقبل أو يرفض رؤاها بشكل يُجنبها آفة الإقصاء ، بل كان مصيرها الانتقاص والتشهير والهمز واللمز دون وجود مسوغات نصيِّة تؤيد ما ذهبوا إليه ، بل استندوا على آراء مُختلف حولها قديماً ، وآمنوا بها كثوابت حديثاً .
الاختلاف كمنهج : الغامدي أنموذج
تاريخ النشر: 21 ديسمبر 2014 01:41 KSA
أحدث ظهور الدكتور أحمد الغامدي مع زوجته وهي كاشفة الوجه على شاشة التلفزيون الكثير من ردود الأفعال غير المُنضبطة شرعياً وأخلاقياً وحضارياً ؛ وهذا التجاذب غير الموضوعي يعكس أن المجتمع يعيش حالة من الارت
A A