الكتابة عن الطيران المدني ذات شجون، لأن الصناعة في حالة تغيير مستمر لا يتوقف؛ من حيث التجديد والتحديث والنمو. حوادث الطيران مفجعة تصل أخبارها إلى كل مكان بفضل توفر وسائل الاتصال السريعة وعالمية الطيران المدني. والعالم يُودِّع العام 2014م الذي شاهدنا فيه عددا من الحوادث المؤلمة والمؤسفة فهناك ثلاث حوادث فقط لناقلة واحدة كانت سمعتها من أحسن ناقلات العالم، وأصبحت مع نهاية العام تعاني من ثقل تلك الحوادث التي لم تكن حوادث وكفى، ولكنها محاطة بشكوك وريبة، ألقت بظلالها على كل الصناعة في أنحاء العالم.
الحادث الأول للناقلة الماليزية في رحلتها M370 أدت إلى وفاة أو اختفاء 239 شخصا، ولم يعثر على حطام الطائرة ولا مصير من كان على متنها من مختلف الجنسيات، حيث لا يوجد أي أثر يدل على اختفاء الطائرة -كما جرت العادة في حوادث مماثلة- فإن التكهنات بالاختطاف والإخفاء مازالت قائمة.
وفي 17-7-2014 أسقطت طائرة أخرى من طراز بوينج 777 من نفس الناقلة الماليزية خلال رحلتها MH17 في أجواء أوكرانيا، في خط سيرها من هولندا إلى سيدني بأستراليا بصاروخ أرض جو، ونتج عن ذلك وفاة 298 كانوا على متنها كما تفيد نتائج التحقيق.. وقد أحدث ذلك أزمة سياسية بين روسيا والغرب، ولا زال السجال قائما حول ذلك الحادث.
والحادث الثالث وقع في 25-12-2014 نهاية العام لطائرة إير آسيا الماليزية أيضا خلال رحلتها من سورابايا بإندونيسيا إلى سنغافورة وعلى متنها 162 راكبا من مختلف الجنسيات.. وتشير كل المعلومات بأنها سقطت في قاع البحر ولا يوجد بريق أمل لناجين من ذلك الحادث.
هذه أول مرة في تاريخ الطيران المدني الدولي تحدث ثلاث حوادث متتالية في نفس العام وفي نفس المنطقة الجغرافية لطائرات ناقلة واحدة ومن دولة واحدة، ونتج عنها فقدان 699 شخصا بين ركاب وملاحين. هذا سبق تاريخي مؤلم في صناعة النقل الجوي لا أحد يتمناه على الإطلاق. كما أن هذه الحوادث المفجعة حصلت لناقلة في بلد عُرف عنه الانضباط والدقة والشفافية. والدروس المستفادة من الذي حصل هي أن ترفع الناقلات الأخرى درجة اليقظة، وتعيد النظر في برامج التدريب والفحص الدوري للطيارين والملاحين، وتقوّي قدرات أجهزة مراقبة الحركة الجوية والسلامة والأمن بما في ذلك الصحة النفسية للطيارين ومساعديهم، حيث إن الاحتمال وارد أن العوامل البشرية لها دور كبير في هذه الحوادث. كما أنها تحصل -مع الأسف- في عصر تسود فيه تقنيات الأقمار الصناعية التي توفر الاتصالات والمعلومات الملاحية والتواصل مع الملاحين ومراكز المراقبة الجوية بشكل آني.
المنظمات الدولية (الإيكاو، والإياتا) عليها مسؤولية مراجعة الخطة الملاحية في منطقة شرق آسيا، وسد الثغرات الرادارية وتغطية الأقمار الصناعية لتمكين الطيارين من تجنب مخاطر مكلفة مثلما حصل في الحالات الثلاث. وعليها أيضا أن تساعد الدول لكي تُحسِّن من إجراءات التشغيل المتبعة لديها بتقديم استشارات فنية وتفعيل برامج التفتيشSAFTY AUDIT التي أقرّتها الإيكاو من بداية القرن الحالي.
إن اعتماد الدول على الناقلات لمراقبة أنشطتها بشكل أفضل يفتقد الدقة. كما أن هناك انطباعا في عالم الطيران المدني الدولي بأن الخصخصة تعني ابتعاد الدول عن مسؤولية المراقبة وإلزام الناقلات باتباع المواصفات القياسية والتوصيات والأنظمة والإجراءات الدولية التي تحكم عمليات الطيران المدني الدولي بصفة عامة. وهذا التوجه لا يخدم صناعة النقل الجوي، وعلى الدول العودة لممارسة دورها الرقابي بشكل فعّال لحماية الصناعة من سلبيات الخصخصة.
حوادث الطيران المدني
تاريخ النشر: 01 يناير 2015 03:48 KSA
الكتابة عن الطيران المدني ذات شجون، لأن الصناعة في حالة تغيير مستمر لا يتوقف؛ من حيث التجديد والتحديث والنمو.
A A