على وقع أزمة 2008 المالية حضرنى سؤال تأملي وخطرت لي إجابته من مقاربات نعايشها بصورة يومية وهي تراجع ثراء العاملين في قطاع الأعمال رغم إخلاصهم وتفانيهم في مقابل زيادة إيرادات أصحاب الأصول. واتضحت لي الصورة أكثر حين تأملت في معدل العائد على أصحاب الشركات بالمملكة مقارنة بالعائد على العاملين وقادني التأمل للتوسع وسبر أغوار علاقات أخرى تربط بين مديري المصارف بأصحاب المصارف وبينهم وأصحاب الأعمال واستنتجت أن المعادلة تختلف في الدرجة من حيث إن ثراء مديري المصارف أقرب لأوضاع أصحابها وأن التباين في العائد على الطرفين ولكن حجم مصالحهم له علاقة وطيدة باسباب نكسة 2008م ، ولهذا خلصت إلى أنه يصح أن نقول بأن خلف كل أزمة مالية فوائد ربوية مرتفعة. لأن المعادلة غاية في الوضوح فالعامل الذي يكون في وضع مالي معقول ينفقه وينصرف ايرادات في جيوب أصحاب الأصول لأن العكس صحيح متى تراجع دخل العامل تراجعت الإيرادات ومعها أرباح الشركات مما يدخل الاقتصاد كله في دورة هبوط وركود وأرجحة وإفلاسات وأزمات مالية.
أي أزمة مالية تتولد من الزيادة الحادة في ثراء أصحاب المصارف في مقابل تراجع حاد في جيوب المستهلكين لأن الزيادة في الأصل أخذت من جيوبهم وللتوضيح نشير بأن العامل حينما يدفع مقابل رغباته الاستهلاكية أو الأساسية فإن دخله المحدود لا يقابل التزاماته كلها فيضطر للاقتراض من المصارف مما يترتب عليه فوائد ربوية تسحب ثراءه لصالح أصحاب المصارف ومدرائها ومن المفارقات أنه كلما استدان الفرد كلما تضاعفت الفوائد ولهذا من تلك المعادلة تتضح مفارقات الدخول ويتبين الخلل.
صحيح أن الأرزاق بيد الله واللهم لامانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولكن يظل الخلل في الدخول فعلاً بشرياً محضاً وقد يكون طمع فرد دفعه لمخالفة الأنظمة الاقتصادية بابتداع مشتقات ربوية تنتج أزمة سببها استغلال الآخر ولهذا هناك اجماع بأن لا سبيل للخروج من دائرة هذه الأزمات إلا بعقيدتنا أو بما أشار اليه البروفسور راندو راي حين تساءل لماذا نبني مساكن للذين ليس لهم مساكن ولا نكون وظائف للذين لا تنقصهم سوى الوظيفة؟ والحال كذلك فإن الحاجة للسكن تعادل الحاجة للوظيفة والمقصد ليس زيادة البطالة المقنّعة كما يحاجج البعض ولكنها لتفعيل الطابع الاجتماعي لتحقيق هدف اقتصادي بزيادة الطبقة الوسطى التي تعكس توفر العيش الكريم والحياة اللائقة للفرد وهو دور يقوم به دائما القطاع العام ولعله من أهم أدواره إذ إن مساندته المواطن تدمجه في العملية الاقتصادية وإلا فإن قعوده خسارة فضلا أن أنه يجعله عالة على الاقتصاد باعتماده على صناديق الاعانات ومن المفيد التذكير بأننا في عصر المال الفيات وفيه تستطيع الدول اصدار أي كمية من المال لتشغيل الأيدي العاملة وليس ثمة قيد عليها إلا خشية التضخم ولهذا السؤال ملح، لماذا لا نُكوِّن وظائف للذين لا تنقصهم إلا الوظائف؟
إن الإجابة ستقودنا لأفضل الاختيارات ولمنطق سليم، فعلى النحو الذي وفرنا فيه المسكن فإن توفير الوظيفة لا يقل أهمية عنه. ومع ذلك المزيد من التأمل والتفكر ربما ألهمنا الوصول لنخفف وقع البطالة على الفرد ونتجنب في نفس الوقت الوقوع بالأزمات المالية أيا كان حجم اقتصادنا وقوة أثره على الاقتصاد العالمي.
معادلة السكن والوظيفة
تاريخ النشر: 12 يناير 2015 01:32 KSA
على وقع أزمة 2008 المالية حضرنى سؤال تأملي وخطرت لي إجابته من مقاربات نعايشها بصورة يومية وهي تراجع ثراء العاملين في قطاع الأعمال رغم إخلاصهم وتفانيهم في مقابل زيادة إيرادات أصحاب الأصول.
A A