Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الملك سلمان وعهد جديد مشرق

الحمد لله الذي جعلنا شعبًا صلته بحكامه واضحة لا يحوطها غموض، ولا تحتاج إلى كثير من البروتوكولات ليبلغوا بعضهم بعضًا بمكنون صدورهم، الراحل منهم يحزنون لفراقه، ولا يستغرقهم الحزن فيصرفهم عن المهم من شؤو

A A
الحمد لله الذي جعلنا شعبًا صلته بحكامه واضحة لا يحوطها غموض، ولا تحتاج إلى كثير من البروتوكولات ليبلغوا بعضهم بعضًا بمكنون صدورهم، الراحل منهم يحزنون لفراقه، ولا يستغرقهم الحزن فيصرفهم عن المهم من شؤون الوطن واستمرار دولته وأمنه واستقراره، فترتيب أمور الحكم والعاملين فيه للوطن وأهله لا تنتظر، وأنا أقول دائمًا: إن أبناء هذا الوطن وحدهم هم المؤهلون للحديث عن شؤونه وسياسات قادته، فقد مضت هذه الدولة السنية القائمة منذ نشأتها في طورها الثالث، وهي دولة راسخة البنيان يحمل رايتها قائد حذق يسلمها لمن بعده، دون حدوث أي هزة أو خلل، وهي سمة الدول الكبيرة المستقرة.
فلما ودعنا قائدًا رفع راية الوطن وأهله عبر العالم منذ أن كان وليًا للعهد وحتى وفاته، أحبه كل من تواصل معه، وأحب شعبه وكان بينهما مودة يكتشفها كل ملاحظ، استقبلنا ملكًا قائدًا له بالحكم دراية، فما غادر قصره منذ أن كان شابًا غض الإهاب وحتى تولى المسؤولية العظمى فيه، تلقى العلم فيه وبين يدي والد كان همه أن يعد أبناءه لخدمة بلادهم معرفة وعلمًا وعملًا، ما شذ منهم أحد عن ذلك مهما ارتقى في سلم التعليم بعد ذلك.
والملك سلمان تميز بينهم أن درايته بالحكم ناتجة عن خبرة عملية طويلة، مدتها عمره كله منذ أن تولى أول منصب له حينما تولى مبكرًا إمارة الرياض في 11/7/1373هـ بالنيابة، ليعين أميرًا لها بمرتبة وزير في 25/8/1374هـ، وظل يمارس الحكم عبر منصبه أميرًا للعاصمة قريبًا من ملوك البلاد مستشارًا لهم يكلفونه بأعباء من المسؤولية متنوعة، جعلته يزور دولًا كثيرة ويطلع على أنماط متعددة من أنماط الإدارة في دول العالم، وتمرس في لقاء رؤساء الدول ومسؤوليها، وما زار البلاد زعيم إلا وكان له معه لقاء، فهو الملك الذي تأهل للحكم بشكل متواصل عمره كله.
وهو الملك الذي له اهتمام كبير بالتاريخ، تاريخ الوطن وحكامه وقبائله، ورأس أول مؤسسة لدراسة التاريخ وتوثيقه (دارة الملك عبدالعزيز) والتي صدر عنها من الأبحاث التاريخية الكثير، والتي أولها القيام بشأن جائزته لأحسن الدراسات التاريخية، التي كان اهتمامه بها اهتمام العالم بالتاريخ المدرك لأهمية أن تؤسس دراساته على معايير صحيحة، وكم سمعناه يصحح معلومة تاريخية ويتطوع بذكر أخرى.
واهتمامه بالتاريخ قاده للاهتمام بالانساب، فهو على علم بأنساب قبائل الجزيرة العربية، مما يقربه إليهم ويجعله الأقدر على التعامل معهم، والذي يفهم منهم مواقفه ويصوبها لهم، وخير الحكام من عرف المحكومين وأدرك معارفهم وما إليه يذهبون، حتى تكون له قدرة الإحاطة بشؤونهم.
ورأيناه يهتم بكل شؤون الناس في مجلس حكمه ومجالسه الخاصة مما يشعرهم بقوة الصلة بهم، فيفزعون إليه حتى عند الاختلاف فيما بينهم، ولا يمنعه مقامه الكريم أن يتواصل معهم ويكون حكمًا بينهم.
واهتم بتاريخ المدينتين المقدستين مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وأنشأ لهما اللجان العلمية لتتبع هذا التاريخ وإصداره في موسوعة لهما، وسمعنا تصريحه حينما كان وليًا للعهد ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع حينما وجه الجهات ذات العلاقة بعدم إزالة أي مبنى أثري أو تراثي إلا بعد التنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، وذلك ليتسنى التأكد من أهميته التاريخية والعمرانية، والإبلاغ عن أي تعديات أو إزالة للمباني التراثية، والتواصل مع الهيئة عند ملاحظة أي موقع أثري بحاجة إلى المحافظة عليه بترميم ونحو ذلك.
وإنا لنتوقع أن يكون في عهده الزاهر بإذن الله، أن يعم الاهتمام كل المواقع الأثرية والآثارية، خاصة ما يخص أفضل فترات تاريخنا الإسلامي عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام ومنهم خلفاؤه الراشدون، فتلك المواقع هي التاريخ الحي لتلك الفترة المضيئة من تاريخنا الإسلامي.
وإنا لنتوقع لبلادنا في طور عهدها الجديد المزيد من التطور والرقي فمنذ نشوء هذا الكيان ونحن شعبًا وحكامًا نسعى إلى تحديث كل جوانب الحياة في وطننا لننعم على أرضه بخيراته التي أنعم الله بها عليه وعلى أهله، مع قدرتنا أن نحافظ على أصالتنا العربية والإسلامية، فنحن بحمد الله آمنا بهذا الدين الحنيف، وجعلناه لحياتنا منهج حياة، لا نقبل سواه منهجا، ونحن على يقين أنه لا يمنعنا من تطوير لحياتنا ورقيها بما لا يتعارض مع أحكامه وهو باب واسع، فقد أكرمنا الله عز وجل بدينٍ، المحرمات فيه معدودة محصورة ومساحة المباحات أوسع مساحة فيه.
ولكن لن يخدعنا قليل علم يتمسك بأقوال ما أنزل الله بها سلطانًا يحرم بها علينا مباحات تجعل حياتنا أفضل وأكثر سهولة وأنعم سعادة لكل من عاش على أرضها من أهلها ومن غيرهم ممن أقاموا عليها من مواطني الدول الأخرى، وسنظل في بلادنا بإذن الله آمنين، لأننا كلنا حماة لها من كل سوء، ندرك الأخطار التي تواجهها، ونعلم الوسائل الأنجع لدرئها بأقل الخسائر الممكنة، لنحفظ لهذا الوطن استقرارًا في ظله ينهض ويتقدم.
لذا فإننا نتطلع إلى عهدنا الجديد بكل التفاؤل، لأننا على يقين أن بلادنا حظيت بقائد يملك المعرفة والخبرة ليقودنا في أحلك الظروف وندعو الله أن يعينه ويوفقه ويسدد خطاه.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store