Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

عزَّام .. هل يعزم على استقلال الجامعات ؟

يُعدُّ قرار دمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي في وزارة واحدة واحداً من حزمة القرارات الملكية الهامة الصادرة مؤخراً ؛ إذ تكمن أهميته في التوقيت أولاً ، وفي حجمه ثانياً .

A A
يُعدُّ قرار دمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي في وزارة واحدة واحداً من حزمة القرارات الملكية الهامة الصادرة مؤخراً ؛ إذ تكمن أهميته في التوقيت أولاً ، وفي حجمه ثانياً .
وبعيداً عن التنظير ،فالمنطق يُحتِّم على الإدارة العليا للوزارة الوليدة أن تأخذ في الاعتبار النمط الإداري الأكثر مرونة في تعاملاتها ، وبالذات مع الجامعات التي تُعتبر مؤسسات مستقلة مالياً وإدارياً .
فالجامعة تكتسب أهميتها من كونها مصنعًا لإنتاج المعرفة وتسويقها وابتكار قنوات ووسائط متعددة لاستخداماتها ، ناهيك عن أنها وبالإجماع قائدة لمنظومة مؤسسات المجتمع ، وبناءً على هذا التأسيس جاءت ضرورة تمتعها بالحرية التي تخلق لها مناخًا يمكنها من الإبداع ، ويخرجها من سياق البيروقراطية المُعطِلة إلى آفاق أرحب وأوسع يُمكنها من القيام بالأدوار المأمولة منها تجاه الفئات المستفيدة من خدماتها ، فالجامعات في الدول المتقدمة مؤسسات مستقلة ذات صفة اعتبارية؛ تقوم برسم استراتيجياتها في ضوء فلسفة المجتمع، وتعمل في إطار السياسة العامة التعليمية المرسومة ، فما المانع في استقلاليتها استقلالًا تامًا خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار استقلالها المالي المتمثل في تحديد موازنتها السنوية من وزارة المالية ؟ كما أن الحرية الأكاديمية - إن صح التعبير- تُمثل جزءًا لا يتجزأ من هوية الجامعة ، ويعود هذا إلى التنوع الفكري الذي تتمتع به الكوادر البشرية من الأكاديميين العاملين فيها لاشتغالهم الدائم بالاطلاع على أحدث التطورات - كل في مجاله - ومحاولة نقل هذه الخبرات للطلاب والباحثين ومؤسسات المجتمع الأخرى ، مما يعني أننا أمام تراكمية معرفية تتجاوز التحجيم لتصل إلى ضرورة منح الثقة الكاملة لهذه الكينونات الكبيرة في ممارسة أدوارها التنويرية .
من هذا المُنطلق أرى أن الالتزام بمعطيات كل مستوى إداري سيُعطي مرونة أكبر لتسهيل الإجراءات الإدارية ، ويمنح البيئة الجامعية حافزاً للإبداع والتميُّز ؛ فالإدارة العليا يجب أن تنحصر مهمتها في التخطيط والتطوير والإشراف العام ، وتترك لبقية المستويات الأخرى حرية ممارسة التنفيذ وترجمة السياسات حسب رؤيتها وإمكاناتها المادية والبشرية ، والبعد كل البعد عن قولبة الجامعات واستنساخها في صيغة واحدة ؛ لأن ذلك سيؤدي إلى وأد التمايز والتنافس الشريف بين الجامعات في مهده ، ويتحول مع هذه الممارسات الحرم الجامعي من بيئة جاذبة إلى بيئة طاردة ، وتحويل ديناميكيتها إلى جمود ينعكس أثره على مُخرجاتها التي ستقود المُجتمع في المُستقبل .
الأمل يتجاوز الاستقلال الصوري للجامعات إلى ممارسة الديمقراطية في تفاعلاتها الداخلية والمُتمثلة في إعادة الانتخابات إلى الحرم الجامعي ، فالقيادات الأكاديمية لابد وأن تصل إلى القيادة عن طريق صندوق الانتخاب ، والطلاب يجب أن يكون لهم صوت يمثلهم في المجالس المُشكلَة على مستوى الجامعة من خلال تجمعات منتخبة أيضاً ؛ والجمعيات العلمية يقع على عاتقها قيادة الحراك الأكاديمي الفاعل بعيداً عن التبعية المُعطِّلة للطاقات المُبدعة ، فهل نرى جامعاتنا في عهد الوزارة الجديدة تُحقق ما كان موجوداً في عهودها الزاهرة من حراك إيجابي ؟ أم سيظل العمل البيروقراطي له سلطة الضرب بأطنابه في بُنيتها ليقضي على ما تبقى فيها من حياة ؟ إن هذا الاستقلال بهذه الرؤية سيُمكِّن الجامعات من السعي للتميِّز والتفرد ، وسيمنحها هامشًا كبيرًا من الحرية لممارسة الإبداع الذاتي .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store