Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

هل الطائفية مرض نفسي ؟!

كتبت في الأسبوع الماضي عن شباب قد ظهروا في اليوتيوب في أحسن صورة: أجسامًا ولباسًا وشبابًا، يدّعون أنهم قَبِلوا أن يُباعوا عبيدًا للحسين في سوق النخاسة، وما ذاك إلا إغراء لعوام الناس بالدفع بأنفسهم نحو

A A
كتبت في الأسبوع الماضي عن شباب قد ظهروا في اليوتيوب في أحسن صورة: أجسامًا ولباسًا وشبابًا، يدّعون أنهم قَبِلوا أن يُباعوا عبيدًا للحسين في سوق النخاسة، وما ذاك إلا إغراء لعوام الناس بالدفع بأنفسهم نحو الهلاك، وما ذاك إلا أسلوب من أساليب إذكاء الطائفية البغيضة، ومثلهم أولئك الشباب الذين هلكوا وأهلكوا مبررين ذلك بأنه من أجل الحور العين مضافًا إليهم وعّاظ سخّروا المنابر والفضائيات لدفعهم إلى التهلكة دون أن ينالهم منها شيء، وما ذاك إلا لون من ألوان إذكاء الطائفية وقتل النفوس بغير حق.
منذ استشهاد عثمان وعلي رضي الله عنهما والطائفية تُسخر لأغراض غير دينية: سياسية أو شعوبية، لأن سلطان الدين أقوى سلطان على دفع الشباب نحو الهلاك من أجل أهداف للمحرض، ألم يقل أبوحمزة الشاري حين عُيّر باستباحة مكة المكرمة بشباب سخرهم لذلك "تعيّرونني بأن أصحابي شباب، وهل كان أصحاب محمد إلا شبابًا".. فالشباب لديهم قابلية حماسية للاندفاع والتضحية من أجل ما اعتنقوه دون أن يفكروا في أهداف المحرّض.
الحروب بعد الفتنة العمياء التي انتهت باستشهاد عثمان رضي الله عنه لم يدّعِ من خاضوها أنهم حاربوا من أجل الدين بل من أجل أن يحكم من أيدوه وقد سئل علي رضي الله عنه عندما حارب الخوارج: أكفارٌ هُم يا أمير المؤمنين؟ قال: من الكفر فَرّوا، ثم قيل له أمنافقون؟ قال إن المنافقين يذكرون الله قليلًا وهؤلاء يذكرون الله كثيرًا، قيل فما هم؟ قال: إخواننا بغوا علينا، فقاتلناهم ببغيهم علينا، فالإمام علي أوضح أنهم بغاة، وفي رواية "قاتلونا فقاتلناهم" ثم تحوّل الموضوع مع مرور السنين في الدولة العباسية إلى أن يكون طائفيًا وأُلبس الخلاف لبوس المذهبية، فأصبح يُلعنُ أموات، ويُكفَّرُ آخرون بل صار ثوبًا ارتدته الشعوبية في جذورها انطلاقًا من كره العرب، فصار الخلاف دينيًا بعد أن كان سياسيًا، فالعباسيون والطالبيون كانوا صفًا واحدًا ضد الدولة الأموية فلما حكم العباسيون قتلوا بني عمهم شر قتلة في معارك دموية ألف عنها أبوالفرج الأصبهاني "مقاتل الطالبيين".
فالطائفية التي تمزق اليوم المنطقة وتظهر بمظهر الدفاع عن الدين (ممثلًا في اعتقاد كل طائفة) ليس إلا توظيفًا للدين في صراع أجّجه القريب أو البعيد لأهداف تخدمه غير عابئ بزلزلة أمن البلدان أو تشريد الإنسان أو مآسي الحصار والأمراض وغيرها، فالأهداف توسعية أو اقتصادية أو إدخال المنطقة في خلافات تحطم بُناها التنموية وتشعل روح العداوة بين أهلها، وفي كل الأحوال المستفيد هو من أجّجها من الداخل أو الخارج، ونجح في تدمير الجيوش العربية القوية.
نُشر في اليوتيوب أن رجلين من دولة عربية اختصما في دولة أجنبية حول علي ومعاوية رضي الله عنهما، فطلبت الشرطة إحضار علي ومعاوية (موضع الخلاف) فكان الجواب أنهما ماتا قبل 1400 سنة، فأمرت الشرطة بإحالة المتخاصمين إلى مستشفى الأمراض النفسية.
إن المرض النفسي الذي اجتاح المنطقة وسبّب المآسي للسكان الآمنين بحاجة إلى وقفة من العقلاء، بإحالة من أثار الفتنة إلى المعالجة من الأمراض النفسية التي أزهقت النفوس، إذا سمح بذلك المحرّض الخارجي الذي يرى إشعال حروب بالنيابة عنه تحقق أهدافه.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store