لا توجد عدالة مطلقة، وفي المقابل يوجد ظلم مطلق، العدالة مسألة نسبية تختلف من موضع إلى آخر، ولذلك أصبح المقياس نسبي في كل العصور وفي كل المجتمعات، والظلم عندما ينتج عنه قتل ودمار لا يمكن استرجاعه مهما كان حجم التعويض، لأن أي تعويض يظل افتراضيًا نسبيًا لا يرقى إلى التعويض عن المطلق الذي فقد.
الأبرياء الذين يفقدون أرواحهم في الحروب من أجل بقاء حاكم، أو إزاحة آخر ذهبوا ولن يعودوا، والحروب الأهلية، من أبشع أنواع الممارسات البشرية التي لا عدالة بعدها لضحاياها تعوض عن الظلم الذي بدأت من أجله وانتهت بسببه.
الشعب الفلسطيني منذ احتلال الكيان الصهيوني أرضه وهو يعيش حالة حرب مدمرة من؛ أجل رفع الظلم عنه، وليس من أجل إحلال العدالة التي أصبحت سرابًا كلما اقترب منها ابتعدت، والصهاينة مُصابون بالذعر بسبب ما يروى لهم وزرع في عقولهم من احتمال الفناء ما لم تتوفر لهم صومعة تعزلهم عن كل البشر يعيشون ويتوالدون بداخلها يظلمون ويظلمون ولا هم يرضون بذلك، فبدلًا من قبول التعايش مع الغير كسائر شعوب العالم يصرون على كيان خاص بهم، وهذا شيء مستحيل من كل النواحي المنطقية والعملية في عالم القرية الكونية الحالي، الفلسطيني صاحب الأرض والحق يُقدِّم ملحمة تلو الأخرى في سبيل البحث عن العدالة التي لم يحالفه الحظ بشم نسيمها، كل الديانات السماوية والمعتقدات الأخرى تتحدث وتحث وتوصي بالعدالة وعن العدالة ليس بالمفهوم المطلق، ولكن بالمفهوم النسبي الذي هو مثار جدل على مر العصور بين الظالم والمظلوم، وبما أن الظلم والعدالة طرفي نقيض، فلا يمكن التوافق حول النتائج إلا بطرق نسبية تظل نسبة الظلم فيها أكثر من نسبة العدل، مظالم التاريخ يرتكبها بشر ينقرضون وتظل ذاكرة التاريخ محتفظة بأفعالهم ولكنها لا تنصف المظلوم إلا معنويًا في أحسن الحالات، لأنه قد يكون فقد حياته أو أهله أو منزله أو جزءًا كبيرًا من وطنه كما هو الحال بالنسبة للفلسطينيين.
ورعاة الظلم مثل أمريكا وبريطانيا أسّست أنظمتهم على إحقاق العدالة ولكن ممارساتهم الخارجية مليئة بالمظالم ضد الغير مثلما حصل للشعب الفلسطيني وهم يعرفون ذلك ولكنهم مستمرون في التأييد المطلق للظلم الذي شاركوا في إرساء قواعده.
يدور الحديث حاليًا كما ورد في صحيفة الجارديان البريطانية أن مناوئة السامية Anti-Semitic في ازدياد في بريطانيا في الوقت الذي تدور حرب ضروس ضد داعش والقاعدة المرفوضة من كل المجتمعات والدول، وقد كان الأولى أن تتحول غضبة تلك المجتمعات في الدول الأوروبية ضد داعش ومن على شاكلتها، إلا أن نزعة مناوئة السامية لا تموت في تلك المجتمعات لأن جذورها وُلدت هناك ولم تستطع حربين كونيتين الأولى والثانية -في القرن الماضي- من القضاء عليها.
إسرائيل تستغل التطرف ضد اليهود للدعوة للهجرة إلى فلسطين حتى تستطيع تبرير توسعها بمباركة من الدول الغربية ومن خلال إشعارها بالذنب لأنها لم تستطع إيقاف النزعات العنصرية ضد اليهود، والواقع أن اليهود ليسوا وحدهم الذين يعانون من العنصرية في أوروبا فكل الجاليات الأخرى تعاني من ذلك، ولا أحد يُطالبهم بالهجرة كحل لمعضلاتهم وسوء العدالة الذي يعانون منه.
موجات الربيع العربي أتت لاجتثاث الظلم عن بلدان هذا الربيع، ولكنها مع الأسف أحدثت شروخًا ومظالم غير مسبوقة في تلك المجتمعات العربية، وأفرزت داعش، وشوّهت سمعة الإسلام والمسلمين، وعندما تهدأ العاصفة سيحتاج العالم العربي لوقتٍ طويل حتى يتعافى من سوء العدالة قبل وأثناء وبعد ما سُمِّي بالربيع العربي.
* رسالة:
أحيط علم كل القراء الذين شرّفوني بمتابعة مقالاتي الأسبوعية، بأن يوم الاثنين من كل أسبوع سيكون موعدنا معكم بدلًا من يوم الخميس على هذه الصفحة بإذن الله تعالى.. ولكم الشكر والامتنان.
البحث عن العدالة تحت حطام الحروب
تاريخ النشر: 12 فبراير 2015 02:29 KSA
لا توجد عدالة مطلقة، وفي المقابل يوجد ظلم مطلق، العدالة مسألة نسبية تختلف من موضع إلى آخر، ولذلك أصبح المقياس نسبي في كل العصور وفي كل المجتمعات، والظلم عندما ينتج عنه قتل ودمار لا يمكن استرجاعه مهما
A A