نظل ننهى عن التكفير، الذي ابتلينا به على ألسنة من غلوا في دينهم، وابتعدوا عن طريق الإسلام السوي، الذي جعل أمته أمة وسطاً، فقال الله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا).
ورأينا من هؤلاء الكثير من القول بالتكفير في أحوال لا يمكن الحكم فيها على مسلم معلوم الإيمان بكفر لأنه لا يوافق من كفره على رأيه، والذي هو في الأصل يخالف أحكام الدين ومقاصده.
وقد عانينا من هؤلاء حينما أخذوا يُكفِّرون مَن يُخالفهم الرأي ومن يظنّون أنهم يرتكبون معاصي من الكبائر، وهم إن كانوا من أهل العلم يعلمون يقينا أن هذا التكفير باطل، وأنه سبب في الوقوع في خطأ أفدح، فالعامة لبعضهم أتباع، فهم إذا كفروا فالعامة فجروا، ورغم ما كان بينهم وبين العلماء والعقلاء من حوارات لا يزال بعضهم يكفرون.
والتكفير قضية شائكة لا يمكن أن تستوفى بمثل هذه المقالة المحدودة السطور ولكنا نشير إلى الحديث الوارد عن جرير بن عبدالله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: (اسْتَنْصِتِ النَّاسَ، فَقالَ: لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ).
ولعل من صور هذا أن يُكفِّر الرجل الرجل فيستحل دمه، ثم يُكفِّر الرجل من كفّره فيستحل دمه هو الآخر، وما يجري اليوم في أقطار منا قريبة وأخرى بعيدة بين هذه الجماعات التي تفجر وتدمر وتذبح الخلق بالسكاكين أمام الكاميرا، يتبادلون التكفير فيقتل بعضهم بعضاً، ويُكفِّرون من عداهم من الخلق فيقتلونه، ونحن ولاشك لا نقول إلا ما هو ظاهر اليوم مشاهد يراه الجميع على شاشات التلفزيون، وتبلغهم أخباره كل صباح ومساء.
وإذا أردنا أن نواجه هذه الموجة العاتية من التكفير فالتفجير والتدمير الذي أصبح مذهب كل ضال، ابتعد عن منهج الحق المتمثل في ديننا الحنيف فاحترف الجريمة البشعة التي جعل الله من العقوبات ما تعدد في آية من كتابه واحدة فقال: (ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً).. فالغضب واللعنة من الله وما أعظمها من عقوبة، وإعداد العذاب العظيم له في جهنم هو جزاء من أزهق روح مسلم مؤمن بالله، ومن يخشى الله ويعبده إجلالاً له لترتعد فرائصه إذا سمع ذلك، ولن تمتد يده إلى أخيه المسلم ليزهق روحه، فإذا ضعف إيمانه ارتكب الجريمة التي هي أعظم الذنوب بعد الشرك بالله والظلم والتي هي جزء منه، إذا أردنا أن نواجه هذه الموجة العاتية فلا تكون بنفس الأسلوب فنكفر هؤلاء المجرمين، فنحن لسنا في حاجة لنفس المنهج، فنحن أصحاب حق علينا مواجهة المجرم فكرياً بإبطال كل دعاواه من الناحية العلمية الشرعية، ثم لنواجهه إذا قبضنا عليه بحكم الله إذا أثبتنا بالبينة كل ما قام به فهو محارب لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وربنا يقول: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم).
وهذه هي العقوبة الرادعة ولاشك لمثل هؤلاء لا تكفيرهم فهم مرتكبو كبائر الذنوب، وهم بذلك فاسقون لا كفار، وكلنا يعلم أن صحابة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُكفّروا الخوارج، وهم من ينتمي إليهم هؤلاء فهم خوارج العصر، فلنعقل أحكام الله ولا تصبح على ألسنة بعضنا تحت الطلب نكفر من يطلب الناس تكفيره، وهو ما أرجو أن نكون قد عقلناه. والله ولي التوفيق.
خطر معالجة الخطأ بخطأ أفدح
تاريخ النشر: 14 فبراير 2015 01:00 KSA
نظل ننهى عن التكفير، الذي ابتلينا به على ألسنة من غلوا في دينهم، وابتعدوا عن طريق الإسلام السوي، الذي جعل أمته أمة وسطاً، فقال الله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول
A A