Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

صناعة التذمر والسخط وصناعة «التنبلة»

أثناء انتظاري عند صيدلية مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة سمعت حديثاً لشخصين ينتظران، يقول أحدهما للآخر بأنه اذا لم يكن دواؤه متوفراً فإن بإمكانه مراجعة الإدارة التي ستقوم بشرائه له فوراً من أقرب صيدلي

A A
أثناء انتظاري عند صيدلية مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة سمعت حديثاً لشخصين ينتظران، يقول أحدهما للآخر بأنه اذا لم يكن دواؤه متوفراً فإن بإمكانه مراجعة الإدارة التي ستقوم بشرائه له فوراً من أقرب صيدلية تجارية. وكان الشخص الآخر يرد بتهكم وسخرية بأن هذا الكلام لا يمكن أن يكون صحيحاً، مضيفاً سيلاً من الانتقادات للمستشفى ومؤكداً أن هذا الشيء لا يحدث الا بوجود «واسطة قوية». حينها لم أجد بداً من التدخل قائلاً له: «نعم بالتأكيد يحتاج واسطة، وهذه هي..»، وأشرت له إلى لوحتين معلقتين كتب على كل منهما بخط واضح جداً (إذا لم يتوفر علاجك لدى الصيدلية فسيتم توفيره لك فوراً من أقرب صيدلية). قرأ العبارة وأشاح بوجهه عني لأني أفسدت عليه متعة الانتقاد والتهكم التي كان يمارسها، وذلك بدلاً من إظهاره قليلاً من الامتنان للمعلومة أو قليلاً من الأسف على نقده الجائر للمستشفى.
هذه القصة الواقعية هي مجرد نموذج لـ «صناعة التذمر» الذي أصبح ثقافة سائدة لدى الكثيرين ممن لا يعجبهم أي شيء حولهم. ليس هذا فحسب، ولكنهم من الاتكالية والكسل لدرجة لا يريدون معها بذل أي مجهود لمعرفة حقوقهم وواجباتهم وواقع الأمور حولهم، ويصدق عليهم الوصف القائل بأن أكثرهم ممن تلاحقه والدته أو زوجته لأسابيع لإصلاح «لمبة» محروقة في بيته، مفضلاً تمدده على الكنبة منظِّراً ومنتقداً كل شيء باستثناء نفسه.
من البرامج الطبية التي تستحق الذكر بهذا السياق، نظام الرعاية المنزلية ببعض مستشفياتنا، والذي يزور بموجبه فريق طبي المريض المستحق في بيته عدة مرات أسبوعياً، مع توفير كافة المستلزمات له من السرير الطبي إلى المناديل وأدوات التعقيم.
أثق تماماً بأن هناك من يتحرق شوقاً ليقول لي «أكيد لا يحصل عليه إلا من لديه واسطة»، وله أقول اذهب وأسأل بنفسك وستعرف الحقيقة.
«صناعة التذمر» هذه والتي يمارسها البعض بحسن نية استعملها البعض بسوء نية وقاموا بتحويلها بلؤم إلى «صناعة للسخط».
صناعة التذمر والسخط انتشرت بشكل كبير، وكلما مارسها الشخص بحدة ومبالغة أكثر كلما زادت شعبيته. هذا الواقع الخاطئ أدركه للأسف بعض مشاهير شبكات التواصل، إضافة لبعض الإعلاميين الذين وجدوا فيه أسهل طريقة للشعبوية وزيادة أعداد المتابعين. أنا قطعاً مع انتقاد الأخطاء وكشفها إعلامياً، شريطة أن يكون ذلك مبنياً على حقائق ودون هوس وتجريح أو مبالغة وتهويل.
أخيراً، وكما أن صناعة التذمر تطورت إلى صناعة للسخط، فإن صناعة التذمر والسخط تطورتا معا بدورهما - بشكل لا يقل خطورة- إلى صناعة لـ «التنبلة» لدى البعض الذين وجدوا فيهما وفي الزعيق والنواح أقصر الطرق لتحقيق مبتغاهم دون جهد أو عمل.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store