ما كنا عليه بالأمس من عهدٍ؛ كُنَّا وكانوا حين كان الزمان غير الزمان، والناس غير الناس. هو ذاته اليوم المنبّه الحيوي الشرس في وجه التغيُّرات التي اجتاحت منطقتنا وسماءها وهواءها، حتى اختنقنا منها.
في أتون المُتغيِّرات المعتمة التي ألقت بظلالها الثقيلة على حياتنا وواقعنا، انعكست الصور واختلط الحابل بالنابل، وبات البعض من المتشبثين بحبالها يرى الظلام نورًا، والنور ظلامًا.
في زمن المتغيرات السوداء أضحت الحقيقة شبهةً، والدروشة إيمانًا، وسفك الدماء جهادًا.
في زمن المتغيرات السوداء فقد العقل إدراك صالح الأمور من طالحها.. فلا بأس في نهجهم أن تكون الدائرة مربعًا له اثنا عشر ضلعًا، والمثلث خطًّا مستقيمًا له قُطر ونصف القُطر!
في عصر الهذيان المحموم خلف عوالم الإرباك الديني والقيمي والأخلاقي التي استدرج المروّجون لها مشاعر بعض أبنائنا، وغُيبت العقول في هلامية الصهر والتشكيل، وفي مسالك الانسياق والتقليب والتقولب تحول بعض أبنائنا إلى مسوخ تُقاد وتنقاد، حتى تخطى إدراكهم خط الفضول إلى قابلية الغوص طواعية في قاع الخلل والاختلال اللا طبيعي؛ لكل ما له صلة بالتربية والدين والقيم، فطفا على السطح فئات امتطت صهوة الليونة والتعوج والبكمنة، والأخرى منها ركبت موجة إطلاق المشيخة المزعومة على غير هدى، فاكتسحت ساحة التحوَّل والتحوّر بجدارة الحرباء.. واتشحت بدثار الضرورات تبيح المحظورات، بمداها ومجالها الواسع الممتد، وكما صوّرته لهم عقولهم!! فتلاشت تحت وطأة فتاواهم ركائز المثل والقدوة، وأضحت موروثات بالية أكل عليها الزمن وشرب!! ومتغيرغريب عنهم.. ليسوا منه وليس منهم!!..
في مواجهة حواضن التطرف التي تعج وتضج بالتجريف المخل للدين والقيم والإنسانية، باتت التحديات واعرة، فالفكر الأسود يحرص جاهدًا إلى التسلل من كل حدبٍ وصوب إلى عمق المجتمعات.. وهي الأسر، والتي أدركت اليوم أنه أينما استقر ذاك الفكر حلَّ معه الخراب والدمار والموت والفناء.
تبقى الحقيقة الماثلة أمامنا والتي لا مفرَّ منها.. أن من ضلوا هم أبناؤنا.. وحينما تحاول الدولة والأسرة احتضان أبنائها الذين أخذتهم رياح الشر والعودة بهم إلى بر الأمان، فهي تعلم تمام العلم أن النار لا تقارع بالنار.. فمن ذخائر المُثُل والقدوة تولد الحكمة، وتثمر التجارب الناضجة توازنًا لا اختلال في مبادئه ولا اعتلال في نهج أقواله وأفعاله، فينبذ العقل الراجح؛ المعوج منها، ويستقيم أمره، ذاك هو نحن وهذه هي دولتنا.
مرصد..
يقولون: «الأوطان تشبه أبناءها».. ونحن ننتمي إلى وطن يُشبهنا في ملامحنا ونشبهه في ملامحه.
تحديات الحكمةالنار لا تقارع بالنار
تاريخ النشر: 19 يونيو 2015 02:42 KSA
ما كنا عليه بالأمس من عهدٍ؛ كُنَّا وكانوا حين كان الزمان غير الزمان، والناس غير الناس. هو ذاته اليوم المنبّه الحيوي الشرس في وجه التغيُّرات التي اجتاحت منطقتنا وسماءها وهواءها، حتى اختنقنا منها.
A A