Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

حين يصبح الجنون منطقا

تومض في الأفق العربي بوارق كثيرة، ولكن معظمها لا يُبشِّر بفرح لكي تعقد عليها الآمال. فمنذ خمس سنين يدور عالمنا العربي في معارك الإحباط والتصفيات، والمنظمات والمذاهب والطوائف.

A A
تومض في الأفق العربي بوارق كثيرة، ولكن معظمها لا يُبشِّر بفرح لكي تعقد عليها الآمال. فمنذ خمس سنين يدور عالمنا العربي في معارك الإحباط والتصفيات، والمنظمات والمذاهب والطوائف. هي قبلية جديدة باسم الدين. ومجازر تُرتكب باسم «الإسلام الخالص» والجهاد! ترتفع فيها الرايات البيض والحمر والسود والصفر، وأطياف أطياف الألوان. إنه «الإسلام الخالص» لكل مدعِ وكل مجاهد في سبيل الحق الذي يراه. فأصبح الحق النقي غريبًا بين آلاف الاختلافات والتفسيرات، والبراءات والولاءات المنسوبة للدين ظلمًا. فهل هذا الدين بـهذه الاختلافات «البارونامية» العريضة، وبـهذا التضاد المنطقي؟ بل اللامنطقي؟
ولكن بين حطام تلك المعارك والاختلافات والتناحر، يسقط الإنسان غريقًا في دمائه البريئة، بسبب فساد العقائد والتوجهات. ويفقد كرامته وبراءته في الذل والشقاء. فنرى الأبرياء في العراق يفرون من ديارهم ومنازلهم، يحملون أطفالهم وأسمالهم لأقرب مدينة منهم وأقرب أمان. ولكن المدائن -في وطنهم- أصبحت لا تُولـجُ بواباتـها إلا بـ»فيزا» وبموافقة «كفيل» من أهلها! وكم نرى ملايين المشردين من السوريين في المخيمات الإغاثية في الدول المجاورة لبلادهم، أو نراهم بنسائهم وأطفالهم يستجدون الناس في شوارع اسطنبول والدول الأخرى. أو نراهم يضيعون بين خداع السماسرة وقراصنة البحر في قوارب تحمل خليطًا من البشر فوق طاقاتـها الآمنة في الإبحار. فيخسرون الأموال والآمال والأرواح في عرض البحر الأبيض. فرار من جحيم المعارك والتشرد إلى جحيم فقد الهوية والكرامة والإنسانية والحياة.
منذ خمس سنين هبّت رياح قوية سميت برياح «الربيع العربي». بيد أننا علمنا بأنـها رياح سموم ملتهب جاءت بالدمار والحرائق والتشرد والضياع. وما تزال تلك الرياح تـهب بإصرار على بعض الأوطان. لقد علمنا -بعد ضياع كثير من الأيام والليالي والساعات والثواني- بأنـها مخططات أممية، وسياسات مسمومة، تستهدف أوطاننا العربية لتقسِّمها ولتهلك الحرث والنسل. لذا لم تكن يومًا من الأيام ربيعًا ولا خريفًا ولا شتاء ولا صيفًا؛ ولا أي صورة من صور الحياة، لأنها بالاختصار «دمار».
لقد كان كل ما حدث شيئًا يبعث الجنون، ويجسّد الجنون، ويُحكِّم الجنون. فيجعل الأخ يقتل أخاه، ويجعل الوطن يلفظ أبناءه، ويجعل المنطق شيئاً من تخلّف الإنسان، ويجعل التراث شيئاً من عبث الماضي، ويجعل الدم حلالاً مستباحاً. حتى أصبح الإنسان لا يُشبه الإنسان.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store