تتطاير كلماتك، وتتبعثر حروفك، ويقف قلمك حائرًا حتّى ولو كنت أبرع الكتّاب، عندما تتحدّث عن فقدان شخص عزيز عليك، أو قريب منك. فكيف عندما تتحدّث عن وداع شخصية استثنائية بحجم الشيخ عبدالله بوقس، الذي قضى أكثر من 50 عامًا من عمره في خدمة هذا الوطن الغالي، ما بين ميدان العلم والتعليم، وميدان الحج، وخدمة الحجيج.نعم.. رحل جدّي الشيخ عبدالله بوقس الذي بدأ حياته العملية كمعلم للغة العربية، أصبح بعدها مفتشًا في وزارة المعارف، ثم عُيّن مديرًا للتعليم بجدة، ثم أصبح مديرًا عامًا للتعليم في المنطقة الغربية، ثم اختير ملحقًا ثقافيًّا في ألمانيا. انتقل بعد ذلك إلى العمل في ميدان الحج، حيث عُيّن وكيلاً لوزارة الحج، ثم عُيّن بعد ذلك مستشارًا لوزير الحج إلى أن تقاعد.نعم.. رحل جدّي الشيخ عبدالله بوقس الذي قضى 25 عامًا في مجال التعليم، يزرع القيم، ويغرس المبادئ.. فقد كان يعامل التلاميذ كأبنائه، ويحرص على رفع مستوى التعليم في المملكة. فقد شارك بفاعلية في وضع المناهج الدراسية، وكان يتنقل بين مدارس جدة يوميًّا إمّا زائرًا لحفل، أو مفتتحًا لمعرض، أو للاطّلاع على أحوال المدرسة ومعلميها وطلابها. أمّا في ألمانيا فكان يزور طلابه في مدنهم، ويبيت عندهم، معتبرًا إيّاهم أبناءه، وليطمئن على أحوالهم عن كثب.نعم.. رحل جدّي الشيخ عبدالله بوقس في هذه الأيام، وهي نفس الأيام التي كان يعمل فيها على خدمة الحجيج، ولا أنسى ذلك الجهاز اللاسلكي الذي كان يستمع إليه طوال اليوم، ويوجّه من خلاله، وما هي دقائق حتى أراه مرتديًا ثوبه خارجًا من المنزل، فأسأله -في دهشة واستغراب-: إلى أين تذهب في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ فيجيبني قائلاً: يابُني إذا أردت أن تنجز عملاً فأنجزه بنفسك، ولا تنتظر من الآخرين إنجازه على الشكل الذي يرضيك.نعم.. رحل جدّي الشيخ عبدالله بوقس الذي كان يتحلّى بالحكمة، كيف لا وهو مَن كان يملك قلمًا راقيًا استخدمه في التأليف، فألّف العديد من الكتب، لعلّ أبرزها كتاب صدى السنين الذي ضمن فيه وقائع حياته، إضافة إلى كتاب الرحلة المقدسة الذي تحدّث فيه عن الحج، وغيرها من الكتب التي تشهد بإبداعاته وتفوّقه في المجال الأدبي.نعم.. رحل جدّي الشيخ عبدالله بوقس الذي كان محبًّا للرياضة، فقد كان يدعم الرياضة المدرسية أثناء عمله في وزارة المعارف، وكان يشجع القائمين عليها، وبما أننا نتحدّث عن الرياضة، فيجب أن أذكر أنه كان عاشقًا للعميد، وكان يتابع مبارياته باستمرار، ولا يفوّت لقاءً بين الجارين، ولن أنسى أبدًا تلك المناقشات الرياضية التي كانت تجري بيننا، فقد كان يرى أن نور أفضل لاعب سعودي، إن لم يكن أفضل لاعب في العالم! وكنت أحب مشاكسته بالقول: إن حسين عبدالغني أفضل من نور، لكنه كان سريعًا ما يغضب بسبب ذلك، وكان ينهي النقاش دائمًا بقوله: نور أفضل لاعب كرة قدم، ومَن يقل غير ذلك فهو لا يفقه شيئًا في عالم الكرة. نعم.. رحل جدّي الشيخ عبدالله بوقس الذي كان يجمعنا كل أربعاء على مائدة الغداء؛ ليتفقّد أمورنا، وكان يناقشني في مقالاتي، وينتقدها، ويصوبها، وكنت أستمع لتوجيهاته بحرص واهتمام.نعم.. رحل جدّي الشيخ عبدالله بوقس، والمؤلم في الأمر أنني لن أراه مرة أخرى، لكنه سيظل معي دائمًا، وسيعيش في وجداني ما حييت؛ لذا أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجمعني به في جنة الفردوس، وأن يغفر له ولمَن قال آمين.Ammarbogis@gmail.com
وداعًا جدّي
تاريخ النشر: 04 يونيو 2010 03:57 KSA
تتطاير كلماتك، وتتبعثر حروفك، ويقف قلمك حائرًا حتّى ولو كنت أبرع الكتّاب، عندما تتحدّث عن فقدان شخص عزيز عليك، أو قريب منك. فكيف عندما تتحدّث عن وداع شخصية استثنائية بحجم الشيخ عبدالله بوقس، الذي قضى أكثر من 50 عامًا من عمره في خدمة هذا الوطن الغالي، ما بين ميدان العلم والتعليم، وميدان الحج، وخدمة الحجيج.
A A