ترجل الأول من عربة متواضعة بعد أن صفها بعيدًا، بينما ترجل الآخر من عربة فارهة يقودها سائقه الخاص، جمعتهما صالة الانتظار في إحدى الدوائر الحكومية يومًا ما، ودار بينهما الحديث التالي:
الأول: ما شاء الله، إفراغ ولا استفسار؟
الثاني: إفراغ بحول الله، ثم استلم قرض البنك العقاري خمسمئة ألف ريال.
- خمسمائة ألف! وش تسوي؟!
الحمد لله حتى لو غرفتين وصالة تكفيني همّ الإيجار.
- ويش يشتغل الأخ؟
أستاذ في الجامعة، أُحضِّر حاليًا الدكتوراة حول موضوع: «ماذا حدث لمجتمعنا»، ومازلت أتساءل ليل نهار ماذا حدث لنا، كيف يصعد المتسلّقون ويهبط المجتهدون؟ كيف ندني الجاهل بماله ونقصي المتعلم بأدبه؟!
- بس شغلتك هذي ما توكل عيش! ورا ما تشتغل في أشغالنا؟
أشكرك أحب عملي وقانع به ما دام ضميري مرتاح، لكن فيما تعمل؟
- قُل في إيش ما أعمل! الله يسلمك أشتغل بالعقار، الأسهم، أشتري «راص تريلة» وأجرة وقت الأزمات، المهم المعلومة ووقت توفرها، مثلًا أسمع أن الدولة بتشتري أراضي معيّنة في مكان لإنشاء قطار، من بدري أشتري الأراضي اللي حول سكة القطار قبل لا يدري أحد، وأبيع بأعلى سعر، كلام في سرّك وأنا خوك، زمان كنا نستورد أعلافا من الخارج، بس نجيب البوليصة نستلم من الدولة الإعانة، أما البضاعة فنتركها في الميناء ولا نستلمها! تصدّق زمان الفيران كثرت في جدة بهاذي السبة! (وأطلق ضحكة مجلجلة).
فرد الأستاذ غاضبًا:
«لقد أجبت على جميع تساؤلاتي، أنت وأمثالك هُم المشكلة، خليط بين الجشع والطمع وحب النفس والمكيافيلية (الغاية تبرر الوسيلة)، سحقًا لكم ولكل من خان البلاد والعباد.
أنت وغيرك تذكرونني بقول الطيب صالح:
(مِن أين جاء هؤلاء النّاس؟ أما أرضعتهم الأمّهات والعمّات والخالات؟ ألا يحبّون الوطن كما نحبّه؟
إذًا لماذا يحبّونه وكأنّهم يكرهونه ويعملون على إعماره وكأنّهم مسخّرون لخرابه؟ من الذي يبني لك المستقبل يا هداك الله وأنت تذبح الخيل وتُبقي العربات، وتُميت الأرض وتُحيي الآفات؟).
من هؤلاء الناس؟!
تاريخ النشر: 06 سبتمبر 2015 00:48 KSA
ترجل الأول من عربة متواضعة بعد أن صفها بعيدًا، بينما ترجل الآخر من عربة فارهة يقودها سائقه الخاص، جمعتهما صالة الانتظار في إحدى الدوائر الحكومية يومًا ما، ودار بينهما الحديث التالي:
A A